مقالات وآراء

ماذا لو لم تقم في إيران ثورة عام 1979 وبقي الشاه وسلالته الى الآن؟ وما هو أحد أهمّ القرارات الاستراتيجية التي اتخذها الرئيس حافظ الأسد؟

‭}‬ د. أوس نزار درويش*
ما دفعني لكتابة هذا المقال حجم الكره والحقد من قبل بعض الأنظمة العربية وبعض المحسوبين على هذه الأنظمة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي قام أحد هذه الأنظمة قبل فترة عندما قامت إيران باستهداف أراضي العدو بالدفاع وبشكل علني عن الكيان الصهيوني والتصدي للمُسيّرات الإيرانية بينما هذا النظام عندما كانت تمرّ الصواريخ الصهيونية من أراضيه لتقصف جنوب سورية لم يحرك ساكناً والمجازر الحالية التي ترتكب بحق أهالي غزة لم يحرك بشأنها ساكناً. وأيضاً الحقد من بعض المواطنين المثقفين العرب على إيران وخروجهم قبل فترة بنظرية عبقرية جداً مفادها بأنّ ما جرى هي مسرحية متفق عليها بين العدو وإيران! مع انّ إعلام العدو نفسه صرح بالخسائر التي وقعت بالمواقع العسكرية الصهيونية من جراء الضربات الإيرانية، ونحن لاحظنا الرعب الموجود في الكيان من هذه الضربات.
وهنا سأطرح سؤالاً افتراضياً لكل كارهي الكيان الصهيوني العدو الأساسي لنا، ماذا لو لم تقم الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وبقي الشاه وأولاده يحكمون الى يومنا هذا…
وسأجيب عن هذا السؤال بتفصيل واسع. كلنا نعلم بأنّ نظام الشاه كان عبارة عن ممثل للمصالح الغربية والشرطي الأميركي للمنطقة وكان يتمتع بعلاقات قوية جداً مع العدو الصهيوني والى أيامنا هذه ابن الشاه يزور الكيان الصهيوني ويلتقي بمسؤوليه ويقدّم لهم الوعود بإعادة العلاقات معهم كما كانت فيما إذا ساعدوه في الوصول الى الحكم.
فلو لم تقم الثورة في إيران وبقي الشاه لتمدّد الكيان الصهيوني بشكل كبير جداً جداً، ولبنان على سبيل المثال ممكن ان يكون الى يومنا هذا تحت الاحتلال الصهيوني لولا إيران لأنّ المقاومة الإسلامية في لبنان دعمتها إيران بالسلاح والمال وقام الحرس الثوري بهام التدريب… وكما هو معلوم فإنّ حزب الله هو من حرر لبنان عام 2000 من العدو الصهيوني وهو من حقق انتصاراً ساحقاً على الكيان الصهيوني في عام 2006
وإيران هي من دعمت بعض فصائل المقاومة العراقية التي قامت بإخراج المحتلّ الأميركي عام 2011 وهي من سلّحت ودرّبت وموّلت فصائل الحشد الشعبي التي كان لها الدور الأكبر في الانتصار على تنظيم داعش الذي احتلّ عام 2014 ثلثي الأراضي العراقية وكان على وشك السيطرة على بغداد لولا التدخل الإيراني، بل حتى اربيل نفسها رغم الخلاف بين قادتها وإيران عندما كانت على حافة السقوط من تنظيم داعش أتى إليها الحاج قاسم سليماني ومعه مَن معه من فيلق القدس وأنقذوها من السقوط بعد ان استنجد بهم مسعود بارزاني.
والنقطة الأهمّ بأنه لو لم تقم ثورة في إيران لم تكن فصائل المقاومة في فلسطين وفي غزة رمز العزة لتجد من يمدّها بالسلاح وبالمساعدات اللوجستية والعسكرية، فكما نعلم فإنّ الحكومة الإيرانية هي الداعم الأساسي لفصائل المقاومة في غزة وهذا ما جاء على لسان غالبية قادة حماس والقسام والجهاد الإسلامي وسرايا القدس…
كما انه بمساعدة إيران وبدعم شعبي يمني من خلال ثورة سبتمبر 2014 وصل أنصار الله الى الحكم في اليمن وبعدها شنت حرب أميركية صهيونية بأدوات عربية عليهم عام 2015 بمسمّى «عاصفة الحزم» لكنهم خرجوا منها منتصرين انتصاراً ساحقاً بمساعدة إيران ودعمها، ونتيجة لهذا أصبح اليمن حالياً أحد أهمّ أضلاع محور المقاومة الداعم لفلسطين، ونحن نرى منذ بداية العدوان على غزة ماذا يفعل الجيش اليمني وأنصار الله من خلال استهدافهم للمصالح والسفن الصهيونية والأميركية والبريطانية التي تحاول أن تمرّ من البحر الأحمر الى الاراضي المحتلة. هذه العمليات البطولية للجيش اليمني والتي أرّقت العدو الصهيوني والولايات المتحدة بشكل كبير.
القائد العروبي والقومي العظيم الرئيس حافظ الأسد اتخذ قراراً استراتيجياً دقيقاً وصائباً بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 وهو التحالف مع الحكومة الإيرانية الجديدة نظراً لأنّ أهداف الدولة الإيرانية الوليدة آنذاك تتلاقى مع أهدافنا، فالحكومة الإيرانية الجديدة بعد نجاح الثورة أول قراراتها الوقوف مع فلسطين والشعب الفلسطيني ومعاداة الكيان الصهيوني وإعطاء السفارة الصهيونية في عهد الشاه الى منظمة التحرير الفلسطينية لتكون سفارة دولة فلسطين حيث تعتبر إيران أول دولة غير عربية توجد فيها سفارة لدولة فلسطين.
وقد حاول الرئيس حافظ الأسد بشتى الطرق إيقاف الحرب العبثية التي اندلعت بين العراق وإيران والتي جاءت بتحريض غربي أميركي خليجي، والتي اعترف صدام حسين بالخطأ الاستراتيجي في شنها وهذا موجود في كثير من الوثائق والرسائل التي وجهها لهاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، كما أنه موجود في فيديوات على اليوتيوب لصدام حسين وهو يقول بأنّ الحرب العراقية الإيرانية كانت نتيجة لفتنة أميركية صهيونية عربية خليجية لإضعاف وتخريب البلدين وإخراجهما من ساحة الصراع مع العدو.
فالرئيس حافظ الأسد وجد في إيران البديل الأمثل لمصر التي خرجت من ساحة الصراع بعد معاهدة «كامب ديفيد»، وبسبب تلاقي المصالح السورية الإيرانية في العداء للكيان الصهيوني ونصرة القضية الفلسطينية، وقد تجلى أثر هذا القرار الاستراتيجي للقائد حافظ الأسد بعد عام 2011 عندما تعرّضت سورية لحرب كونية إرهابية، فكانت إيران اول من هبّ لنصرة سورية ولمساعدة الجيش العربي السوري في دحر الإرهاب، وقد استشهد على الأراضي السورية الكثير من الجنرالات والمستشارين العسكريين الإيرانيين.
فهناك نقاط وقواسم ومصالح مشتركة كثيرة بين العرب وبين الإيرانيين يجب ان نركز على هذه النقاط ونعمل عليها وأهمّها الوقوف مع فلسطين ودعم الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، وان نضع حالياً المسائل الخلافية جانباً وأهمّها الخلاف السني الشيعي والتي دائما ما يعمل دعاة ومشايخ الفتنة من كلا الطرفين على إيقاظ هذه الفتنة، والتي تخدم بالدرجة الأولى العدو الصهيوني، ونحن لاحظنا قبل ايام في كلمة المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة جلعاد إردان ذكر كلمة إيران الشيعية والشيعة أكثر من 13 مرة لإيقاظ وإشعال هذه الفتنة لأن الخلاف الطائفي هو السلاح الفتاك بيد العدو.
وفي النهاية نسأل الله النصر المؤزّر للمقاومة في غزة رمز العزة، هذه المقاومة الأسطورية الجبارة والتي ستعيد رسم المنطقة بانتصاراتها البطولية، وستؤرّخ لبداية مشهد جديد لهذه المنطقة هي من ستتسيّده لأنها هي من تدافع عن شرف هذه الأمة وكرامتها، أما العدو الصهيوني والموالون والداعمون له فسيكون مصيرهم مزابل التاريخ في القريب العاجل والأيام بيننا.
*كاتب وباحث سياسي سوري وأستاذ جامعي في القانون العام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى