هل هبّت رياح الشمال؟
ناصر قنديل
– الخط البياني للعمليات على جبهة شمال فلسطين تصاعدي كما ونوعا، وكلما تصاعد هذا الخط البياني تتصاعد التهديدات الصادرة من مسؤولي كيان الاحتلال بالحرب، وتصاعدت بين الكتاب والمحللين والمعلقين الأحاديث عن خطر الانزلاق إلى الحرب الكبرى، مع وجود أقلية منهم لا تقول بالانزلاق، بل إن بعضها يقول بقرار اسرائيلي بالحرب يحدد له مواعيد، وبعض قليل جدا يقول إن المقاومة سوف تذهب الى هذه الحرب، رغم كل تأكيدات قادة المقاومة أن الحرب الكبرى غير موجودة على جدول أعمال المقاومة، إلا إذا ذهب إليها كيان الاحتلال، وتصير عندها بالنسبة للمقاومة دفاعا مشروعا لا قرار الذهاب الى هذه الحرب بخطة ذاتية مسبقة.
– هنا يصبح السؤال محصورا بين فرضيتين، ان يذهب الكيان الى هذه الحرب او ان يجري الانزلاق إليها دون ارادة الفريقين، واذا اخذنا أولا فرضية الانزلاق، التي يزداد نصيبها صعودا هذه الأيام والساعات، مع التصاعد العالي في مستوى المواجهة بما يوحي بالفرضية، حيث اغتيال قيادي كبير في المقاومة من جهة ضمن محاولة الكيان رد الاعتبار لقدرة ردعه التي تآكلت وانهارت معها قبته الحديدية، واشتعل الشمال الفلسطيني المحتل بصواريخ المقاومة، ومقابل الاغتيال رد من المقاومة يرفع مستوى التحدي لقدرة الردع سواء لنوعية الأهداف أو كميات الصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها المقاومة، وتصريحات متقابلة توحي بالتصعيد، حيث في الكيان غليان عنوانه الحاجة لردع حزب الله، وقادة حزب الله يقولون للكيان استعدوا للبكاء والعويل.
– في حالة مثل حالة جبهة المقاومة وجيش الاحتلال، حيث إدراك بالأرقام والوقائع لحجم القدرات، لا شيء اسمه الانزلاق، وهذا ما يجب أن يصدقه من يتعاطون التحليلات العسكرية والسياسية، فالحرب الكبرى تعني طاقة احتمال محدودة على تحمل تبعاتها، وفيها ما فيها من تدمير للمدن والعواصم والمنشآت، والآلاف من الضحايا على طرفي الجبهة، بحيث يبقى التصعيد في الرد محسوبا ومحكوما بقرار تفادي الحرب الكبرى، وعندما يحدث ما يسميه الأطراف الانزلاق يكون أحدهما قد اتخذ القرار بالذهاب الى هذه الحرب، وقد مرت لحظات كان السؤال خلالها عن كيفية تفادي هذا الانزلاق، كما حدث مع اغتيال الاحتلال للقائد الفلسطيني الشيخ صالح العاروري، لكن المقاومة ابتكرت ردا موجعا لا يؤدي إلى الحرب الكبرى، وما تفعله المقاومة ردا على اغتيال القيادي الكبير أبي طالب. وما فعلته يوم اغتيال القيادي وسام الطويل، يقول إنها تملك في جعبتها أجوبة تحقق ما قاله السيد هاشم صفي الدين عن الاستعداد للبكاء والعويل دون الذهاب للحرب الكبرى، ليصير السؤال هل يذهب الكيان الى هذه الحرب؟
– خلال تسعة شهور تحدث قادة الكيان كثيرا عن فرضية الحرب، وجاءت رسائل كثيرة للبنان تحذر من قرار إسرائيلي بالحرب، لكن الحرب لم تقع، ولم يكن السبب هامشية أهمية الجبهة بالنسبة للكيان، بل العكس كان السبب هو أهميتها العالية، والإدراك بأن هذه الجبهة هي أخطر جبهات الحرب لأنها تختزن فائض قوة محور المقاومة البشري والناري، ولأنها وحدها القادرة بحكم الجوار للجغرافيا الفلسطينية بخلاف حالة اليمن والعراق، وهي من هذه الزاوية تشبه حال غزة مع فارق أضعاف المقدرات والعمق الاستراتيجي المفتوح نحو دمشق وصولا الى طهران، والتحرش بهذه الجبهة يخضع لحسابات دقيقة لا مكان فيها للارتجال، وقد سبق للشاباك ان اعد تقريرا وزعه على أعضاء الحكومة قبل عام تقريبا في تموز من العام الماضي، تحت عنوان سيناريو اليوم الأول لحرب يشنها حزب الله، قال فيه إن هذا اليوم سوف يشهد تساقط 6000 مقذوف متفجر على الكيان، وتدمير محطات الكهرباء والمطارات ومحطات القطارات، وشلل الجبهة الداخلية والقبة الحديدية، ومع ما أظهرته المقاومة من مهارة في التعامل مع القبة الحديدية بعشرات الأجسام المتفجرة، يعرف الكيان ما سيحدث عندما تصبح العشرات مئات وآلافا، وبعدما أظهرته المقاومة من رأس جبل الجليد من مخزونها في سلاح الدفاع الجوي، يضع جيش الاحتلال الف علامة استفهام حول حجم حرية سلاحه الجوي في العمل في الأجواء اللبنانية.
– الكيان في التعامل مع جبهة لبنان تماما كما في التعامل مع جبهة إيران، لا يقدر على خوض الحرب منفردا، وهو يحتاج الشراكة الاميركية الكاملة، ليس للتغطية السياسية والحماية المطلوبة فقط، بل على الصعيد العملياتي واللوجستي، وواشنطن التي تعرف مترتبات الحرب على قواتها في المنطقة و أساطيلها إذا انخرطت فيها، تعرف انها فوق طاقتها على التحمل، وهي لا تتحمل منازلة أقل بكثير في جبهة البحر الأحمر مع أنصار الله، ولذلك كما امسكت واشنطن على يد تل أبيب بعد الرد الايراني الرادع على ضرب القنصلية الايرانية في دمشق، سارعت الى استخدام مفردات جديدة ودقيقة ومعبرة في بيان لوزارة الخارجية تعليقا على كلام لرئيس حكومة الاحتلال قال فيه من شمال فلسطين المحتلة إنه مستعد لعملية قوية في لبنان، فقالت الخارجية ما يتعدى جملتها التقليدية عن خطورة أن يؤدي التصعيد الى اشتعال المنطقة، بل وجهت كلامها لقادة الكيان بالقول إن القيام بتوسيع نطاق الحرب مع لبنان يشكل تهديدا لأمن ومستقبل «إسرائيل» ودعت الى الاقتناع بأن وقف إطلاق النار في غزة سيؤدي حكما الى وقف اطلاق نار على جبهة لبنان، و الأمران الخطر على امن «إسرائيل» وربط جبهة لبنان بجبهة غزة يمثلان تقاطعا مع تحذيرات حزب الله من مخاطر التفكير بخوض هذه الحرب، ودعوته لوقف الحرب على غزة لوقف جبهة الإسناد اللبنانية.
– الوضع يتصاعد وسوف يتصاعد أكثر، لكن ثمة الكثير من درجات التصعيد التي تحقق الأهداف بالنسبة للمقاومة دون الذهاب الى الحرب الكبرى، والمأزق عند الكيان في انه فقد قدرة الردع الى غير رجعة، وأن البر بات محسوما لسيطرة المقاومة، والجو على الطريق، فماذا عن البحر الذي يتولاه العراقيون واليمنيون، مع أول الغيث أمس على حيفا وأسدود.