أولى

النظام المالي العالمي والقرصنة

في سابقة مجهولة التداعيات تحمّل الرئيس الأميركي كزعيم للغرب الجماعي، مسؤولية قرار مالي ومصرفي ستكون له تداعيات كبيرة على النظام المصرفي العالمي والعربي خصوصاً، والأميركي بصورة خاصة، بعدما قرر بايدن قرصنة الأصول الروسية المجمدة بفعل العقوبات الغربية، التي لا تحمل مصادقة مجلس الأمن الدولي.
منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944 وأميركا تحتل مكانة مميزة في النظام المالي العالمي، بصفتها يومها صاحب أكبر مخزون من الذهب، واعتماد صيغة الانتقال السلس بين الدولار والذهب بسعر ثابت أساساً لهذا الدور، الذي لم يتأثر بإلغاء الاتفاقية عام 1971، لأن المكانة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية كانت تشكل الغطاء البديل للذهب بالنسبة لمكانة الدولار، ومعه النظام المصرفي الأميركي كقلب نابض للنظام المصرفي العالمي.
كل شيء قام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع الاتفاقية وبدونها على الثقة، وما يجري اليوم تدمير خطير لنظام الثقة، الذي بدونه لا حياة لنظام مالي ولا لنظام مصرفي، ومصادرة الأصول المجمدة خطوة خطيرة، ووهبها لطرف ثالث بغض النظر عن المبررات خطوة أشدّ خطورة، خصوصاً أن كل ذلك يجري من خارج مجلس الأمن الدولي.
أميركا في ظرف فقدت فيه الكثير من عناصر المكانة الأولى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في العالم، وكانت مكانته المالية الناجمة عن مكانة الدولار و نظامها المصرفي إحدى ركائز بقائها دولة عالمية عظمى. وهي اليوم بهذا القرار تضع مسماراً في نعش مكانة الدولار نظامها المصرفي، بينما يتعرّض الدولار أصلاً لتراجع مكانته في التبادلات التجارية التي باتت العملات الوطنية للدول الكبرى والمتوسطة اقتصادياً تعتمدها، بينما تنشأ وتنمو تجمعات كبرى تعتمد عملات ليس الدولار بينها، مثل بريكس وشنغهاي وسواهما. وكذلك تتعرض المصارف الغربية والأميركية خصوصاً لأزمات ناجمة عن الفساد الذي أدّى الى انهيار كبير في أزمة الرهون العقارية عام 2008، والانكماش لا يزال مسيطراً على الاقتصادات العالمية، وما يجري في البحر الأحمر وحرب غزة ومخاطر انفجارات إقليمية كبرى، يعرّض استقرار تدفق الطاقة للخطر، وهذا يعني المزيد من التضخم والانكماش وارتفاع الأسعار.
بايدن يبدو كائناً أيديولوجيا يُعمي الحقد بصيرته، ويبدو أنه يتكفل بأخذ أميركا الى الكارثة بسرعة أقوى بكثير مما كان لها أن تذهب بدونه.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى