هل الحرب الإقليمية الشاملة خيار جنوني مستحيل؟
د. عصام نعمان*
خصوم بنيامين نتنياهو في “إسرائيل” يتهمونه بأنه يناور ويراوغ ويتحايل لعدم وقف الحرب لأنّ غايته القصوى البقاءُ في السلطة. يجزم هؤلاء بأنّ مصير نتنياهو بلا سلطة هو السجن.
يردّ نتنياهو عبر صحيفة “يسرائيل هيوم” (2024/6/10) على خصومه بأن “ليس هناك من صفقة بموافقتنا على مقترح الرئيس جو بايدن لأنّ الحكومة ملتزمة استعادة المخطوفين “الإسرائيليين” بطرق مختلفة. لكن قبل كلّ شيء هي ملتزمة تأمين مستقبل “إسرائيل”. ما من مستقبل للدولة في مقابل “محور الشر” الإيراني وأتباعه إذا ما أحنت رأسها أمامهم”.
الولايات المتحدة قدّمت اقتراح قرارٍ الى مجلس الأمن الدولي يدعو الى إعادة المخطوفين ووقف إطلاق نارٍ دائم، وافق عليه المجلس بأكثرية 14 دولة مقابل دولة واحدة، روسيا، امتنعت عن التصويت. لكن حرب “إسرائيل” على سكان قطاع غزة، لا سيما المدنيين، ما زالت مستمرة.
يقول إيتان غلبواع، الخبير في الشؤون الأميركية والباحث في “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” في مقالةٍ له في صحيفة “معاريف” (2024/6/11) “إنّ الحرب في غزة وخطر توسّعها ضدّ حزب الله شَغَلا بال بايدن كثيراً. لذا هو يضغط للتوصل الى صفقة شاملة لتحرير المخطوفين ووقفٍ لإطلاق النار يمكن أن يصمد على الأقلّ حتى 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، موعد الانتخابات الرئاسية”. كما انّ التوصل الى اتفاق أمني مع السعودية يشمل “إسرائيل” سيبدو للناخبين الأميركيين “إنجازاً سياسياً ودبلوماسياً مهماً”.
“إسرائيل”، بقياديّيها وسياسيّيها وعسكريّيها وكتّابها وصحافييها وعائلات أسراها المحتجزين لدى “حماس”، وجمهورها، منقسمة على نفسها بشكل غير مسبوق. بعضٌ من هؤلاء يؤيد نتنياهو وسياسته المتطرفة. بعضهم الآخر يعارضه معارضةً شعواء. وثمة من يدعو الى تبنّي مقترح بايدن الذي أضحى قراراً لمجلس الأمن الدولي هدفه وقف الحرب وإنقاذ “إسرائيل” مما هي فيه من ورطة ومعاناة.
لعلّ الأكاديمي والكاتب إيال زيسر هو أفصح مَن عبّر عن مؤيّدي نتنياهو في كيان الاحتلال. ففي مقالة نشرتها له صحيفة “يسرائيل هيوم” (2024/6/8) يقول زيسر “إنّ إسرائيل اختارت في الأسابيع الأولى من الحرب التركيز على الحدود الجنوبيّة والدخول في عمليةٍ دفاعية في مواجهة حزب الله، إلاّ أنّ ما كان ممكناً ومطلوباً في بداية الحرب تحوّل بالتدريج إلى أمرٍ لا يُطاق. فواقع حرب الاستنزاف في الشمال يدفّعنا أثماناً كبيرة، ويضرّ أيضاً بما تبقّى من قوة ردعنا. إذاً، ما يجب القيام به هو البدء بالردّ بقوةٍ وحزم (…) مثلاً، ان نضرب في العمق اللبناني عندما يعترض حزب الله مُسيّرة تابعة لسلاح الجو. لماذا لا نردّ بهذه الطريقة في كلّ مرةٍ يضرب حزب الله البلدات والمستوطنين في الحدود الشمالية؟”.
آفي جيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، نشر مقالاً في صحيفة “هآرتس” (2024/6/9) عبّر فيه (وانتقد) تيار الوسط في كيان الاحتلال. لاحظ في مقاله “أنّ واقعنا الفريد يعقّد حياة الوسط. إنه يفتقر الى إجابةٍ عن التحدّي الكبير الذي يعترض “إسرائيل”: الصراع مع الفلسطينيين. لقد نجحت السياسة في تهميش القضية الفلسطينية، لكن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أعادها الى صدارة جدول الأعمال. ما هي إجابة الوسط عن السؤال الذي يترك بصماته على كلّ مجال من مجالات حياتنا؟”.
يجيب آفي جيل عن سؤاله بنفسه: “على الوسط أن يوضح كيف يمكن ضمان الإبقاء على الطابع اليهودي لـ”إسرائيل” عند تقسيم الأرض. هل من الممكن استمرار واقع الاحتلال الى الأبد؟ إنّ المماطلة والتردّد في اتخاذ موقف لا يُمهّدان الطريق الى تسوية مستقبلية، بل يشتريان وقتاً لترسيخ الاحتلال، وتعميق الاستيطان، وجعل تقسيم الأرض مستحيلاً ويؤديان تالياً إلى “تدمير إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية”.
الى كلّ هؤلاء المؤيّدين والمعترضين والوسطيين، وثمة آخرون لا يطالبون بأقلّ من الحرب الشاملة لمحو المقاومة الفلسطينية وحلفائها والمقاومات العربية. عومر دستوري، الباحث في “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن”، نشر مقالاً في صحيفة “معاريف” (2024/6/10) قال فيه: “الحلّ الممكن والوحيد، بالنسبة الى “إسرائيل”، هو خوض حرب شاملة، واسعة النطاق ضدّ الدولة اللبنانية، ليس لردع حزب الله فحسب بل بغية إخضاعه أيضاً، ومثل هذه الحرب يجب أن تشمل مناورة برية للجيش الإسرائيلي تصل إلى بيروت، وإقامة منطقة فاصلة بعدة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية تسيطر عليها القوات الإسرائيلية”.
ثمّة آخرون يتصدّون بالرأي والحجة والمنطق لكلّ المتطرفين والمجانين. أبرز هؤلاء الجنرال في جيش الاحتياط والخبير العسكري يتسحاق بريك الذي نشر مقالاً في صحيفة “معاريف” (2024/6/12) قال فيه: “هذا الجنون لا يمكن قبوله وفهمه والوقوف موقف المتفرّج إزاءه. هذا فقط غيض من فيض مقارنة بالحرب الإقليمية التي تنتظرنا وتشكّل تهديداً وجودياً حقيقياً لدولة “إسرائيل”، ونحن غير جاهزين لها قط. القيادات المسؤولة عن الكارثة الأكبر في تاريخ “إسرائيل” يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ما زالت هي نفسها تدير حربنا، هؤلاء لا ينشغلون باستخلاص العِبَر من الحرب، ولا بتحضير الجيش والجبهة الداخلية للحرب الإقليمية الشاملة كلياً”.
إذ يتشابك ويتصارع ويتنافس أهل الرأي والسياسيون والعسكريون والحزبيون، يحاول وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في زيارته الثامنة لـ “إسرائيل” إقناع جميع الأطراف ذوي الصلة بمقترح رئيسه جو بايدن، ويقوم بعض الصحف بتسريب بعضاً من “تهديدات” الأميركيين وبلينكن لحكومة نتنياهو ولقادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
لنتنياهو يلمّحون إلى أنّهم سيقومون، في حال عدم تجاوبه معهم، بالتفاوض مباشرةً مع “حماس” والتوصل معها الى اتفاق بمعزل عن حكومته.
لـِ “حماس” يهدّدونها بأنّ عدم تعاونها في مسألة وقف الحرب سيدفع الولايات المتحدة إلى العمل بكلّ قوتها لضمان عدم سيطرة الحركة على قطاع غزة.
لعلّ كلّ من تتناهى إليه هذه التهديدات يتساءل، وسط احتدام معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية: هل بايدن واثق فعلاً بأنّه سيفوز ليكون قادراً على تنفيذ تهديداته؟
ثم، ماذا لو فاز منافسه دونالد ترامب؟ هل تراه يكون مهتمّاً بتنفيذ بنود مقترح بايدن الذي أصبح قراراً لمجلس الأمن الدولي أم يتجاهله ويقوم بالمزايدة عليه لما فيه مصلحة “إسرائيل”؟
ثم، هل يلجأ نتنياهو إلى حربٍ إقليمية شاملة بغية استجرار إيران إلى نصرة حزب الله فتصبح أميركا – في ظنّه – مضطرةً إلى مشاركته الحرب ضدّ إيران؟
أخيراً وليس آخراً، ماذا يجني نتنياهو من حربه الإقليمية الشاملة طالما وسائل الإعلام الإسرائيلية تصف اليوم وضع الشمال الفلسطيني المحتلّ والمدمَّر بأنه قد تحوّل نتيجةَ مقاومة حزب الله أقرب ما يكون الحال في العصر الحجريّ!
الأرجح انّ الصراع بين جميع الأطراف المعنيين سيبقى محتدماً إلى 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل فتكون النتيجة: إمّا فوز بايدن وبالتالي معاودة المساعي لاحتواء الصراع أو هزيمة ترامب فتكون النتيجة اندلاع حرب أهلية، كما قال هو ذلك علانيةً ودونما تحفظ!
*نائب ووزير سابق
[email protected]