مقالات وآراء

كيف غيّر الطوفان العالم؟

‭}‬ فريد محمد المقداد
قبل السابع من تشرين الأول 2023 كنا نخجل من أنفسنا، كانت الكلمات تتلعثم على شفاهنا، وبعد الطوفان أطلقت الألسن من عقالها وأعيدت إلى الحروف معانيها التي فقدت، فتاريخ الصراع العربي الصهيوني في كفة، وما جرى بعد الطوفان في كفة أخرى، فمن البديهي أنّ كيان الاحتلال الصهيوني يواجه اليوم خطراً وجودياً حقيقياً باعتراف قادة العدو وأركانه…
نعم لقد غيّرت الحرب على غزة العالم مبشرةً بولادة نظام عالمي جديد بدأت ملامحه ترتسم بوضوح من خلال تراجع سطوة الهيمنة الأميركية التي تركها الطوفان عاريةً تماماً بعد أن ألحق هزيمةً نكراء بذراعها الصهيوني الذي لا يُقهر، إضافةً إلى مأزق أخلاقي كبير يتجلى في الصمت المريب عن حرب الإبادة الجماعية على شعبنا الأبي في غزة العزة، وما يرافق ذلك من انتهاكات صارخةٍ للقانون الدولي الإنساني، المأزق الأميركي في رمال غزة أكبر وأعقد من القدرة الأميركية على الاحتواء، فلا الولايات المتحدة الأميركية قادرة على رأب الصدع داخل الكيان بين الحكومة والمعارضة أو داخل مجلس الحرب، وخسارة معركة الرأي العام الدولي لا تحتاج إلى أدنى تدليل، ناهيكم عن عدم امتلاك القدرة على كبح جماح المحاكم الدولية التي تمرّدت وتحدّت الرغبة الأميركية في منح الكيان الحصانة ضدّ تجاوزاته السافرة، بل إنّ الولايات المتحدة الأميركية التي جمعت (125) دولة تحت مسمّى أصدقاء الشعب السوري في إطار حربها المعلنة على الدولة الوطنية السورية لم تستطع أن تؤمّن أصوات بضع دول إلى جانبها، حيث صوّتت (143) دولةً على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة،
أما الأبرز على الإطلاق فهو جبهات الإسناد التي تبذل وسعها وجهدها انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي في التحرر الوطني وتقرير المصير، في مواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي، هذا الشعب الذي أصبح من خلال صموده الأسطوري نموذجاً ملهماً لكلّ المقاومين من المظلومين والمضطهدين في العالم.. لقد أثبت الشعب الفلسطيني للعالم بأسره أن الحق لا يموت، وأن شعلة الكفاح ستبقى متقدةً في قلوب المقاومين، وها هو الطوفان يقنع أحرار العالم بزيف ودجل كلّ شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان التي تتبجّح بها الولايات المتحدة الأميركية على مدى عقود من الزمن وهذه من أعظم بركات الطوفان.
طوفان الأقصى امتدّ ليشمل جهات الأرض الأربع، فعمّت المظاهرات العالم ليعلو الهتاف (فلسطين حرة حرة…) وخرج طلاب أعرق الجامعات الأميركية متظاهرين ونصبوا خيامهم في ساحات هارفرد وكاليفورنيا وكولومبيا وبنسلفانيا، احتجاجاً على الحرب التي يشنّها كيان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، مطالبين إدارة الجامعات بمنع أيّ تعاون مع الشركات التي تدعم الحرب وإلغاء استثمارات هذه الجامعات في كيان الاحتلال.
خلاصة القول: امتدادات الطوفان وتداعياته لا تزال تتفاعل، والثابت المؤكد أننا أمام مسار تاريخي جديد بدأ في السابع من تشرين الأول عام 2023م، تلاشى فيه الدور الإقليمي للكيان كجيب وظيفي متقدّم عسكرياً وسياسياً للولايات المتحدة الأميركية وهو ما يحتم إعادة الحسابات وما سيُبنى عليه ترتيبات إقليمية جديدة للقوة العظمى التي كانت تستعدّ لمغادرة المنطقة لتتفرغ لملفات أكثر خطورة وأهمية (الصين، أوكرانيا…) آخذين بعين الاعتبار أن اللحظة التي يغيب فيها التوازن هي ذاتها اللحظة التي يبدأ فيها تشكله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى