مقالات وآراء

دلالات وأبعاد استراتيجية لما عاد به هدهد المقاومة

‭}‬ رنا العفيف
هدهد حزب الله والمسح الطبوغرافي والاستراتيجي والعسكري والاستخباري والسياسي والأمني، في صورة واضحة ترسم معنى المواجهة المقبلة من حيث التكتيك والقدرات، أيّ تداعيات وأبعاد استراتيجية لما عاد به هدهد حزب الله على كافة المستويات؟
حزب الله ينشر توثيقاً استثنائياً لقواعد ومصانع ومنشآت عسكرية ومطارات وتجمعات مدنية ومراكز تجارية، ومواقع حساسة استخبارية في عمق الكيان الإسرائيلي، حيال التهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان.
هدهد حزب الله هز مفاصل وأركان الكيان الإسرائيلي قيادة وحكومة وشعباً من خلال حزمة جمة من الرسائل العسكرية والاستخبارية بالصوت والصورة وعاد الهدهد بمسح طبوغرافي شامل بأبعاد استراتيجية عسكرية سياسية مدنية وميدانية من تنفيذ المهام الجوي، ولا سيما الفيديو الموثق ببنك أهداف ضخمة وجلية في متناول يد المقاومة، في التوقيت والأهمية على المستوى الاستراتيجي الإسرائيلي له مدلولات عسكرية من خلال فحوى الرسائل التي أطلقتها المقاومة الإسلامية في لبنان والكشف الدقيق والرصد لمواقع غاية في الأهمية من حيث التقنية.
الطائرة أو المُسيّرة هدهد هي طائرة إيرانية الصنع تستخدم في عمليات مهام المراقبة والاستطلاع في نطاقات واسعة لا تقل عن 200 كيلو متر، وكذلك تستخدم هذه الطائرة لضرب أهداف أرضية فردية باستخدام القنابل والصواريخ الموجهة، حيث أن خصائص الطائرة بدون طيار من ناحية الحجم والوزن وأجهزة الاستشعار وتجهيزاتها القتالية ومتطلباتها للعمليات كتقنية تساعد على إدارة مسرح العمليات ومطاردة العدو أو الخصوم وتحديد أماكنها من خلال التصوير والبث المباشر أو الدخول إلى موجات اتصالاتهم بالإضافة إلى تحديد مواقع معينة للأعداء وتوجيه نيران القوات المدافعة ولا سيما تصوير مواقع العدو ووحداتهم بالإضافة إلى إمكانية مواجهة الحرب الالكترونية فضلاً عن إمكانية استفادة منها في مراقبة المناطق الحدودية وتهيئة خرائط المسح الجغرافي لأهداف عسكرية.
هدهد (1) هي إحدى المُسيّرات الذكية في التصميم والمميزّة بطول 150 سم وجناح يبلغ طوله 190 سم وتتمكن هذه المُسيّرة من التحليق لفترة 90 دقيقة ويبلغ مداها 30 كيلومترا ولها عدة مهام قتالية مزوّدة بتقنيات حديثة التصوير الفوتوغرافي وتمتاز بصغر حجمها وصغر المقطع الراداري الأمر الذي يصعب اكتشافها وتتبّعها ومحاولة إسقاطها بصواريخ الدفاع الجوي، وتتميّز كمية الإشعاع الحراري الأمر الذي يقلل من احتمالية إصابتها أو رصدها بالصواريخ بالأشعة تحت الحمراء، وكذا بصْمتها الصوتية قليلة الأمر الذي يصعب سماع أزيزها في جو المعركة وقد استخدم هذه الطائرة أنصار الله في اليمن في عملياتهم العسكرية المستمرة وكانت النتيجة في دقة الهدف المطلوب له تأثيرات ردعية عالية بالتنويع، كما أن هناك طائرات من عائلة هدهد واحد واثنين وثلاثة وإلى ما هنالك لكل منها ميزات استثنائية مختلفة عن الأخرى من حيث الإقلاع والهبوط العمودي الأفقي وميزات أخرى في التقنية والتحليق والسرعة قد نشاهدها في حلقات أخرى ينشرها حزب الله.
ومن أبرز الرسائل العسكرية والسياسية بشتى أنواعها واتجاهاتها أياً كانت على أي مستوى، هو أن الحرب مع لبنان أصبحت صورتها واضحة المعالم وجلية وتكاليفها واضحة لنتنياهو، أما بايدن الذي يرفضها يحسب لها ألف حساب ضمن أطر السقوط المدوي عسكريا وأمنيا وسياسيا ضمن مربع الفشل الاستخباري الذريع والقوة الهلامية للولايات المتحدة التي كانت ترهب العالم، بعد أن رأوا توثيق حزب الله. فـ الرسائل التي أربكت الولايات المتحدة وشلت قدرات الإسرائيلي بشكل نوعي فريد تترجم معنى الخسارة الكبرى المقبلة على الكيان الإسرائيلي وعلى الأميركي في هذه الحرب وما أنجزته معركة طوفان الأقصى بشتى المعارك التي تخوضها على أكثر من اتجاه.
وتأتي هذه الرسائل في توقيت حساس له معان عسكرية عالية من حيث الدقة والتركيز على الأهداف في خليج حيفا وجزر كريوت وبعض المواقع العسكرية الحساسة وثمة تسجيل بنك أهداف دقيقة بعملية مركبة في المسافات تجاه لبنان وغزة والتدرّج مستمر للمزيد من المفآجات.
أيضا من ضمن الرسائل اللافتة هي القدرات الاستخبارية التي تبرز حجم المعلومات بالكمّ والنوع، وهذا أمر غير مسبوق في المواجهات السابقة وهذه خطوة جديدة، تشي بأنّ المواجهة مع حزب الله ستكون استثنائية ومؤثرة ومؤلمة بالنسية للاحتلال الإسرائيلي مع التعلق بالإشارة والذكر في التوقيت وسط التهديدات الإسرائيلية، وهنا أراد حزب الله القول للإسرائيلي والأميركي إذا أردتم الإقدام على هذه الخطوة، فعليكم أن لا تخطئوا الحسابات هذه المرة لانّ المواجهة مع حزب الله ستكون مختلفة كلياً عما يجري في غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية من حيث الأساليب والقدرات والتأثيرات وبالتالي لهذه الرسائل النارية تأثيرات على نتنياهو وبايدن بشكل خاص وعلى حكومة نتنياهو و»المجتمع الإسرائيلي» بشكل عام، أيّ رسائل ردع نارية بالصوت والصورة والكلمة في حال إذا أرادوا توسيع رقعة الحرب فسيشهد العالم بثاً مباشراً لم يكن في حسبان أحد،
فعلى الولايات و»إسرائيل» أن تنظرا جيداً وتفهما ما نشر في الفيديو وأن تركزا على المناطق المشار إليها في الصورة المستحدثة وهي مجموعة أهداف عسكرية قابلة للتدمير ببث مباشر وكان قد وعد حزب الله بذلك…
والأهم في هذه الجزئية ولا يمكن إغفال ذلك هو ما كشفه هدهد حزب الله في إظهار الضعف التقني لدى جيش الاحتلال الذي لم يتمكن من اكتشاف عمليات التصوير التي برزت في بصيرة الهدهد الاستخبارية الثاقبة، ويمكن القول في العلم العسكري الاستخباري أن حزب الله كرّس معادلة الاختراق الجوي اللبناني الإسرائيلي مقابل الإختراق الجوي الإسرائيلي في لبنان، وثمة أيضا شيء من ضمن الإحداثيات الهامة المذكورة هو إثبات قدرات الإستطلاع للمقاومة دون أن يكون بإمكان جيش الاحتلال رصده أو إسقاطه وهذا إنْ دلّ على شيء يدلّ على تأكيد حزب الله على أن ما خفي أعظم من بنك الأهداف الضخمة التي شملت المنشآت الحيوية والاستراتيجية الإسرائيلية،
هذه الصفعة العسكرية الاستخبارية أتت ضمن دروس التأديب العسكري لنتنياهو وحكومته بشكل مباشر وعلى وجه الخصوص للولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد جو بايدن والمبعوث الأميركي لمعرفة تداعيات وقف الحرب في غزة قبل الحديث عن أيّ شيء على اعتبار أتى هدهد حزب الله تزامناً مع وجود مبعوث واشنطن هوكشتاين في لبنان وقبل عودته إلى تل أبيب وهذا ليس بصدفة بقدر ما هو مقصود من حزب الله بمعنى أوقفوا الحرب في غزة فهل سيعتبر نتنياهو وبايدن هذه المرة؟ وماذا عن تأثيرات حزب الله الردعية المتصلة بلبنان وغزة؟
بكل تأكيد ستكون لصالح جبهات الإسناد تحمل عنوان قوة الموقف وما بعد حيفا سيتمّ الكشف عن المستور وما عرض ليس إلا بقليل وعائلة هدهد واحد ستكون محط أنظار العالم بأسره في مشهدية ملحمة طوفان الأقصى الذي فكك عناصر الارتباط في كابينت الحرب ومخططاتهم ليغرقوا في وحل المآزق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى