ماذا عن قرار حرب اتُخذ تدعمه أميركا؟
ناصر قنديل
لا تزال تتدفق التقارير الإعلامية من مؤسسات أميركية وغربية وعربية، بما يبدو حملة منظمة تقول إن الحرب الاسرائيلية على لبنان آتية حكماً، وإن واشنطن متأكدة من ذلك، بل إن أميركا ستقف مع “إسرائيل” في هذه الحرب. وأمس انخرطت مؤسسات إعلامية ضخمة في الحملة الترويجية للحرب من عيار الـ “سي ان ان”، ويروج لهذه الحملة ويستقوي بها كل الذين يحملون لقب محلل سياسي للظهور على قنوات تلفزيونية مناوئة للمقاومة للترويج للحرب. ولعل كثرة الحديث عن الحرب واتساع الحديث عن تأييد أميركي لها سبب كافٍ للاستنتاج أنها مجرد حرب نفسية، إذ كيف يعقل أن تقول الخارجية الأميركية قبل يومين إن توسيع نطاق الحرب مع لبنان مصدر خطر على أمن “إسرائيل” ومستقبلها، وتدعو الى التركيز على وقف إطلاق النار في غزة كطريق لتهدئة جبهة لبنان، ثم تنقل الـ “سي ان ان” عن مسؤولين أميركيين كلاماً مفاده أن واشنطن متأكدة من أن قرار الحرب قد اتُخذ وأن واشنطن سوف تكون إلى جانب “إسرائيل” في هذه الحرب؟
حرب إسرائيلية على لبنان تعني وفقاً للخبراء في كيان الاحتلال، استهداف العمق اللبناني ومؤسساته الحيوية، بما في ذلك العاصمة بيروت كاحتمال وارد، بالقصف الجوي والبحري والبري، حيث يمكن، ويعني توغلاً برياً عبر الحدود سعياً لبلوغ الليطاني. وهذا العدوان الواسع سوف يستدرج ردوداً قاسية من المقاومة، لا يستطيع جيش الاحتلال منع حدوثها، مثل تساقط الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة على منشآت حيوية في عمق الكيان، وحاصل هذا التبادل للنيران سيلحق ضرراً كبيراً بالمنشآت والبنى الخدمية على طرفي الحدود. وهنا يصير السؤال الفعلي هو من يملك القدرة على التحمل أكثر، وهل يملك الكيان قدرة التأقلم السريع مع الخسائر المترتبة على انقطاع الكهرباء لأسابيع مثلاً، وإقفال المطارات وتعطل القطارات ومياه التحلية، بينما لبنان لم يعُد معتمداً على الكهرباء النظامية منذ سنوات، ولا قطارات فيه، وقد اعتاد على التعامل مع إقفال المطار والميناء واعتماد مطار عمان بالذهاب براً عبر دمشق، واللبنانيون الذين يضطرون لمغادرة مناطقهم أمامهم عمق جغرافيّ لا ينتهي عند دمشق، بينما يفتقد الكيان إلى أي عمق جغرافي وقد أقفلت مطاراته وموانئه، والجبهة الداخلية في الكيان تقول إنه لا يتحمل انقطاع الكهرباء ثلاثة أيام وهو لم يستعد لمثل هذا الاحتمال.
الحرب تعني منافسة بريّة بين قوتين، قوة جيش الاحتلال المنهكة في حرب غزة، والتي فقدت ألويتها وكتائبها الكثير من قوامها وأنهكها التعب والسهر والتنقل وأثخنتها الجراح، وقد خسرت الكثير من آلياتها وعديدها، وعليها كي تخوض حربها مع لبنان، الانسحاب من غزة وتقبل الفشل هناك، وترك الجغرافيا للمقاومة تستعيد السيطرة على أغلب المناطق. وبالمقابل قوة المقاومة التي تملك فائضاً في العديد المدرّب والمجهّز والمنظّم والذي ينتظر فرصة المنازلة البريّة، ليس في سياق الدفاع عن لبنان وجغرافيته، كما في حرب تموز 2006 فقط، بل لاختراق خط الحدود من عدة نقاط محتملة حساسة، في الساحل الغربي للجليل، وفي إصبع الجليل، وفي منطقة الجولان، ولدى قوة المقاومة البريّة كما تقول مواجهة 2006 في ظروف أقل جاهزيّة من اليوم، إن جيش الاحتلال سوف يخسر دباباته وجنوده ويفشل في تحقيق أي تقدم، بينما سوف يكون أمام المقاومة فرص حقيقية لإحداث اختراقات حقيقية في عمق الجغرافيا الفلسطينية، حيث عشرات آلاف المقاتلين المدربين والمجهزين، وبنك أهداف شامل وواضح، وقد أفرغت المستوطنات من السكان خلال حرب الاستنزاف وتم تدمير أجهزة الاستعلام والدفاعات الأولى على طول خط الحدود وما بعده، ما يعني إضافة لفشل جيش الاحتلال في تحقيق أي نجاح، تدمير ما لم تدمّره حرب غزة من ألوية ونخب مقاتلة في جيش الاحتلال، وانتقال المواجهة الى داخل الجغرافيا الفلسطينية، وتحرير مناطق محتلة مثل مزارع شبعا اللبنانيّة والجولان السوريّ.
فرضية الدخول الأميركي على خط الحرب مغرية للتفكير، لأنها تعني انضمام جيش ثقيل البنية والقدرة النارية الى الحرب، لكن مع جعل كل نقاط تموضعه في منطقة شعاعها 2000 كلم أهدافاً مباشرة لصواريخ المقاومة، حيث حاملات الطائرات في البحر المتوسط والخليج والأسطول الخامس في البحرين، والمدمّرات في البحر الأحمر، والقواعد في دول الخليج وتركيا، سوف تصبح كلها أهدافاً لنيران المقاومة ومعها قبل كل شيء قواعد القوات الأميركية في سورية والعراق التي سوف تسقط ويتحوّل الجنود فيها الى أسرى، واحتمالات مشاركة إيران في هذه الحرب تصبح أكبر، بينما احتمالات انضمام قوى محور المقاومة في اليمن والعراق مؤكدة، وإذا كانت أميركا التي انسحبت من أفغانستان تقول إن حربها هناك فشلت، فهل تغامر بحرب تواجه خلالها قوة تعادل أضعاف قوة من هُزمت على أيديهم في أفغانستان، وفي حرب تقول عنها هي إنها خيار خاطئ؟
الذين يقولون إن ما يفصلنا عن هذه الحرب أيام لا يتقبّلون نقاشاً في ما يعتقدونه معلومات مؤكدة، لذلك لا جدوى من مناقشتهم بالاحتمالات، لذلك يبدو الأفضل مجاراة الموجة والقول بأن الحرب مقبلة، لكن المقاومة سوف تربحها، ومثلما ربحت منازلة الشهور التسعة بالنقاط، سوف تربح الجولة المقبلة بالضربة القاضية. ويبقى المهم أن نعتمد على هؤلاء ليكون خيار الحرب جدياً، كي لا يحبطهم ظهور أنهم كانوا ضحايا تمنياتهم النابعة من الحقد على المقاومة فقط، فيحاولون ربح الحرب النفسية طالما أن ربح الحرب الحقيقية فوق طاقتهم وطاقة الحصان الأعرج الذي يسرجون عليه أحلامهم لسباق العصر مع خيل أصيلة مدرّبة.