حملة إعلامية أميركية وغربية وعربية لتسويق خيار الحرب الإسرائيلية على لبنان قادة جيش الاحتلال يقولون إن الاستعداد للحرب لا يعني إمكانية خوضها مع غزة قبرص تستجيب لتحذير نصرالله: لن نمنح أي تسهيلات لأي دولة لخوض حرب
كتب المحرّر السياسيّ
في وقت واحد بدا أن قراراً صدر من غرفة عمليات إعلامية ببدء حملة مكثفة وموسعة تقول إن الحرب الاسرائيلية على لبنان آتية حكماً، وإن وحدات إسرائيلية سوف يتم نقلها إلى الشمال لهذه الغاية. ونقلت قناة «سي ان ان» عن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أنه أبلغ أحد الوزراء العرب بأن قادة الكيان حزموا أمرهم بعمل عسكري كبير في لبنان، كما شهدت فضائيات غربية وعربية برامج سياسية تروّج لفرضية الحرب وتتحدث عن حتميتها، وتطوّع كثيرون ممن يحملون لقب محلل سياسي واستراتيجي للقول إن الحرب حسم أمرها وإن الأميركيين لن يدعوا كيان الاحتلال وحيداً في هذه الحرب التي يحتمل انضمام إيران إليها.
المقاومة غادرت منطقة نقاش الاحتمالات حول فرضية الحرب، وتموضعت في مكان واضح، إذا أراد الكيان ومن خلفه أميركا الذهاب الى الحرب فنحن جاهزون لها، وقد أكملنا الاستعداد لكل الاحتمالات، براً وبحراً وجواً، والمفاجآت التي سوف تحملها الحرب في حال وقوعها سوف تؤكد أن المقاومة لم تتحدث بلغة الواثق من النصر إلا بناء على حسابات دقيقة. وجدّد متابعون لموقف المقاومة التذكير بما تضمنه خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أول أمس، لجهة قراءة عناصر التفكك والتآكل في وضعية الكيان الداخلية والخارجية، السياسية والعسكرية، مقابل اقتدار المقاومة ومعنوياتها وإنجازاتها خلال شهور الحرب في كل الجبهات، وكل ذلك ليس إلا غيضاً من فيض ما سوف يظهر إذا وقعت الحرب الكبرى.
بالتوازي نقلت وسائل إعلام الكيان تقارير ومعلومات منسوبة لقادة الجيش والعسكريين، عن مواصلة الاستعدادات اللازمة لعمل عسكري في لبنان رداً على ما تشهده الجبهة من تصعيد وتطورات، ونسبت اليهم القول بأن الاستعدادات لا تعني أن الحرب قد اتخذ قرارها، خصوصاً أن خوضها يستدعي انتظار انتهاء الحرب في غزة أو قراراً بحجم التخلي عن مواصلة الحرب في غزة، وهذا سوف تكون له تداعيات خطيرة.
من جهة أخرى تفاعل موقف السيد نصرالله التحذيري للحكومة القبرصية من خطورة منح تسهيلات لجيش الاحتلال تتيح استخدام المطارات والقواعد القبرصية في حال شن عدوان على لبنان، وبعد تصريحات ومواقف لبنانية مناوئة للمقاومة اعتبرت تحذير نصرالله سبباً لتصعيد أوروبي ضد لبنان، سارعت الحكومة القبرصية إلى الاستجابة لتحذير السيد نصرالله وأعلنت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها وأجوائها لأي عمل حربي، وأنه «لن يتم منح أي دولة الإذن بإجراء عمليات عسكرية عبر قبرص».
لا يزال خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتصدر واجهة المشهد لما حمله من مواقف ومعادلات ومعلومات كشف عنها للمرة الأولى تتعلق بقدرات وإمكانات المقاومة والتي شكلت معادلات ردع جديدة برية وجوية وبحرية أحدثت صدمة كبيرة في المستويات العسكرية والأمنية والسياسية في كيان الاحتلال وأصابت جبهته الداخلية بشكل مباشر، في ظل مواقف وردود فعل إسرائيلية متعددة عكست إرباكاً وقلقاً كبيرين لجهة التعامل مع المعادلات التي كشفها السيد نصرالله في خطابه الأخير، رأى فيه خبراء ومحللون بأنه أعلى درجة في الردع الاستراتيجي لـ»إسرائيل». ولفت الخبراء لـ»البناء» الى أن خطاب السيد نصرالله بمثابة إعلان مباشر للاستعداد للحرب الشاملة، أي أن حزب الله وبالتزامن مع انخراطه بجبهة إسناد غزة وردع الجيش الإسرائيلي في الجنوب، استغل انشغال جيش الاحتلال بالقتال خلال أشهر الحرب التسعة الماضية لإكمال استعداداته على كافة الصعد للحرب الشاملة. كما استثمر السيد نصرالله على نقاط ضعف العدو ليرفع درجة الردع، لا سيما خوف الجبهة الداخلية الإسرائيلية من حزب الله في لبنان، الذي يشكل خطراً استراتيجياً على «إسرائيل» وفق ما يقول جنرالات إسرائيليون. وأوضح الخبراء أن معادلات السيد نصرالله زادت في مأزق «إسرائيل» وضيّقت الخيارات أمام نتنياهو ولم يعد أمامه سوى استكمال التفاوض مع حركة حماس للتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، لأن رهانه على عدوان شامل على لبنان بتغيير الواقع الميداني والسياسي في الحرب على غزة بجرّ المنطقة الى مواجهة شاملة، هو رهان فاشل.
وواصلت المقاومة عملياتها النوعية ضد مواقع وتجمعات الاحتلال الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، وردّت على الاغتيال الذي نفّذه العدو «الإسرائيلي» في بلدة دير كيفا باستهداف ثكنة «زرعيت» بعشرات صواريخ الكاتيوشا. وفي تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، تجمعًا لجنود العدوّ داخل موقع السماقة بالأسلحة المناسبة، كما استهدفوا موقع رويسات العلم بالرشاشات الثقيلة محققين إصابات مباشرة. كما استهدفت موقع زبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وموقع الناقورة البحري بقذائف المدفعية محققين إصابة مباشرة.
وكانت مسيّرة إسرائيلية أغارت بأربعة صواريخ مستهدفة سيارة في بلدة دير كيفا، ما أدى الى استشهاد عباس إبراهيم حمزة حمادة من بلدة الشهابية الجنوبية الذي نعاه حزب الله. واستهدفت غارة إسرائيلية سيارة في بلدة حومين الفوقا ما أدّى الى استشهاد نجل الشيخ محمد جمعه عمار جمعه.
الى ذلك، لاقى تحذير السيد نصرالله للحكومة القبرصية من مغبة السماح باستخدام العدو الإسرائيلي أراضيها وقواعدها ومطاراتها لضرب لبنان، ردود فعل وتوتر دبلوماسيّ بين لبنان وقبرص، لكن مصادر مطلعة أوضحت لـ»البناء» أن كلام السيد نصرالله كان مجرد تحذير مسبق لدفع الحكومة القبرصية لمعالجة الأمر وعدم التورط بفتح أراضيها ومجالها الجوي ومطاراتها للعدو في أي حرب مقبلة ضد لبنان. وبالتالي السيد نصرالله لم يهدّد بضرب قبرص، بل إن أي مكان قد يستخدمه العدو الإسرائيلي لضرب لبنان سيكون هدفاً للمقاومة في الحرب المقبلة على لبنان.
وأجرى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب اتصالاً بوزير الخارجية القبرصي وأعرب له عن تعويل لبنان الدائم على الدور الإيجابي الذي تلعبه قبرص في دعم الاستقرار في المنطقة. من جهته أكد الوزير القبرصي مضمون البيان الصادر عن رئيس جمهورية قبرص من أن بلاده تأمل أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة. وشدّد على أن قبرص ليست بوارد التورط بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة في المنطقة. كما أوضح أن قرار إقفال السفارة القبرصية ابوابها ليوم واحد كان محدداً مسبقاً لأسباب إدارية تتعلق بنظام التأشيرات وهي ستعاود العمل كالمعتاد بدءاً من الغد (اليوم). وأكد الوزيران على عمق علاقات الصداقة التي تربط البلدين وأهمية تعزيز التعاون الثنائي بينهما لما فيه مصلحة الشعبين.
ولفتت أوساط دبلوماسية أوروبية لـ»البناء» إلى أن تصريح الرئيس القبرصي والتواصل الدبلوماسي اللبناني – القبرصي أزال الغموض والالتباس الذي أثير بعد خطاب السيد نصرالله، موضحة أن قبرص ليست جزءاً من الصراع الدائر ومن مصلحتها الحفاظ على الاستقرار في المنطقة لا سيما البحر المتوسط، وأشارت الى أن دولة منضمة الى الاتحاد الأوروبي لكنها ليست عضواً في حلف الناتو وبالتالي غير مرتبطة بمعاهدة دفاع مشترك جماعية كانت أو ثنائية.
وأعلنت سفارة جمهورية قبرص في بيان، أن القنصلية لن تستقبل أي طلبات تأشيرة أو تصديقات ليوم واحد فقط، في 20 حزيران 2024. ولفتت السفارة القبرصية، الى أنه يمكن تسلّم جوازات السفر والتصديقات من خلال إظهار الإيصال الصادر عن القنصلية عند تقديم طلب التأشيرة.
بدورها أكدت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان أن «العلاقات اللبنانية – القبرصية تستند إلى تاريخ حافل من التعاون الدبلوماسي وأن التواصل والتشاور الثنائي قائم وبوتيرة مستمرة ودائمة على أعلى المستويات بين البلدين بهدف التباحث في القضايا ذات المصالح المشتركة».
من جانبه، اكد المتحدث باسم الحكومة القبرصية بأنه لن يتم منح أي دولة الإذن بإجراء عمليات عسكرية عبر قبرص. وأوضح المتحدث باسم الحكومة القبرصية في تصريح، بأن «علاقات جمهورية قبرص مع لبنان ممتازة، وكل مفاوضات ستتمّ على المستوى الدبلوماسي». وأكد بأن «قبرص ليست منخرطة ولن تشارك في أي صراعات حربية».
في المواقف، أكَّد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن «التيار» يعمل على إبعاد الحرب عن لبنان وتحييده عنها، وأنه عندما نتكلم عن الحرب نقصد «إسرائيل» لأنها هي من تتوعد وتهدد»، قائلاً: «إذا وقعت الحرب لسنا شعباً يستسلم فلا ننسى ماذا فعلت بنا «إسرائيل» وبكل لبنان وبجسور كسروان ولا خيار لدينا كتيار ولبنان أين سنقف دفاعاً عن وطننا، بغض النظر عن موقفنا مما فعله حزب الله لجهة فتح الحرب في الجنوب». وشدَّد باسيل خلال عشاء نظمته لجنة المرأة في هيئة قضاء كسروان على «أنّ السبب في هذه الأوضاع الأمنية ليس وجود حزب الله في لبنان بل وجود «إسرائيل» التي زُرعت رغمًا عن اللبنانيين والفلسطينيين في الأرض التي ولد فيها المسيح وهي تفعل ما هو عكس تعاليمه، وهي التي تنفذ اجتياحات متعددة قبل أن يتشكل حزب الله كردة فعل».
في المقابل، اتهم حزب «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحر» بأنه «يواصل قلب الوقائع المتّصلة بالاستحقاق الرّئاسي، سعيًا إلى صفقة جديدة مع الثّنائي الشّيعي».