مقالات وآراء

الخطاب الرادع… استراتيجياً

‭}‬ رنا العفيف
من نظرية الردع إلى الردع العسكري بالتحدي بين حرب المفاجآت والتهديد العسكري العقابي بين الحربين، حزب الله يكرّس خطاب الردع لتنفيذ جدولة المرحلة الجديدة، كيف يمكن تقييم مجمل مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالشكل والمضمون؟
في خطاب السيد نصر الله الذي ألقاه في الحفل التأبيني للقائد الشهيد «أبو طالب» الكثير من النقاط الهامة في سياق المعركة الدائرة، إذ حذر وللمرة الأولى الحكومة القبرصية من فتح قواعدها لـ «إسرائيل»، مؤكداً أنها إذا فعلت ذلك سيتمّ التعامل معها كجزء من الحرب، أيضاً أشار إلى وجود خوف وقلق لدى الكيان «الإسرائيلي» من إمكانية دخول المقاومة إلى الجليل مؤكداً أنّ هذا الاحتمال يبقى مطروحاً، وكذا نقطة سياسية واستراتيجية وعسكرية لافتة بالكمّ والنوع من حيث المواقف الجمة التي أطلقها وأهمّها أن لا ضوابط ولا سقوف… براً وبحراً وجواً، مع التركيز على البحر المتوسط.
وثمة ملاحظات عديدة في مجمل المواقف ولكن في هذه الجزئية سردية تحمل في طياتها أسراباً من المفاجآت اللافتة للأنظار والتي تداولها معظم المحللين والسياسيين الأعداء قبل الأصدقاء نظراً لأبجدية العقيدة العسكرية بالتسلسل العسكري الذي يحمله حزب الله، فبعد أن استمع «الإسرائيلي» إلى الخطاب وفهم ما قاله السيد نصر الله بلغة التواصل البصري والجسدي، لا بدّ أنه عقد اجتماعات طارئة لإعادة حساباته في الحرب وفي ميزان الربح والخسارة، مع تذكّر نتائج حرب تموز ـ آب 2006 جيداً قبل أن يفكر بشنّ حرب على لبنان، وعلى الأرجح سيعيد حساباته ضمن أطر اجتماع لقواعده العسكرية ولقياداته ويدرس الخطاب الرادع ويأخذ كلام السيد على محمل الجدّ كالعادة، على اعتبار أنّ كلام السيد أتى بشكل تفصيلي يتعلق بأي جبهة محتملة يمكن أن تظهر في حال ارتكب حماقة أو هجوماً واسع النطاق على لبنان،
التأثير النفسي في فحوى الخطاب له وقع بارز شديد البأس في ثبات وتكريس كل كلمة تحمل حرفاً أبجدياً معمّداً بدماء الشهداء على طريق القدس، أيّ ألف باء التحليل في عنصر القوة لحزب الله في هذا الخطاب البانورامي والاستثنائي المتكامل ولا سيما تلك التي تعدّ استكمالاً لخطاباته منذ بداية السابع من اكتوبر إلى ليلة الأمس نرى متغيّرات وتطورات ملحوظة بشكل تدريجي، ونجد في كلّ خطاب صورة مميّزة توضح الرؤية أكثر فأكثر، لتبرز معالم كلّ صورة بمرحلتها وحلتها الجديدة على حدّ تقول بأنّ لبنان بات يملك عناصر قوة متكامل الأركان يسمح للبنان أن يفاوض على سيادته ويحق له قول كلمته وهي ثابتة لا يستثنيها شيء لطالما الصخرة والحصن المنيع لها المقاومة التي تمثل خط الدفاع الأول بترسانتها العسكرية وتفوقها الاستخباري والمعنوي المسنود بعمودها الفقري لهذه الدولة التي جعل منها حزب الله دولة قوية تهدّد العدو الإسرائيلي لتصنف كأول دولة عربية تستطيع وضع حدّ لغطرسة وعنجهية الكيان، هذه الدولة التي تضاهي الترسانة العسكرية الإسرائيلية وتتفوّق عليها، فعندما يقول السيد نصر الله أن لا ضوابط ولا سقوف براً وبحراً وجواً، يعني بذلك بأنّ رسائل الردع النظرية والعملية والعسكرية والعقائدية في خضمّ كاريش وحدودها البحرية في مرمى نيران المقاومة ولو لم يكن ليقولها ولكن التلميح سيد الموقف ويتجسّد بما قاله حرفياً بأنّ «الإسرائيلي عم يفهمني كتير منيح وبيعرف شو المقصود»، عسكرياً وسياسياً ترد في قلب المعنى الحقيقي الذي قصده الأمين العام لحزب الله وما يتعلق بترسانته العسكرية لدى المقاومة وربما عن الأهداف البحرية التي تصبّ خارج البحار، وبالتالي الرسالة وصلت للإسرائيلي بمعنى استراتيجي أنّ البحر المتوسط لا يمكن للإسرائيلي أن يستبيحه وأيّ مواجهة عسكرية مع هذا العدو قد يتحوّل البحر الأبيض المتوسط إلى بحر أحمر لهذا الكيان الذي يرتجف رعباً من الآتي وتحديداً تجاه ما تحمله جبهات الإسناد من تشبيك محبوك بعناية ودقة في مجريات حرب الإبادة في غزة المستمرة،
ولا شك أنّ واقع الميدان يتطور كلّ يوم ويرفع السقف عالياً على مستوى تحالف القوى في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، واليوم البحر المتوسط، ما يشي بأنّ هناك توازناً وتعاوناً في حلف المقاومة على مستوى الإقليم والمراكز تحت عنوان ربما إدارة الإقليم والسيطرة على الممرات المائية ونحن في هذه الجزئية نتحدث على مستوى جبهات الإسناد التي ساهمت بقطبة شبه معادلة مخفية قبيل بدء المعركة لتكون هذه القطبة لها ارتباط عضوي في محور المقاومة لا يمكن فصلها عن وحدة الساحات التي خرجت من رحمها وحدة البحار والممرات المائية والمراكز، وهذا ما علم به القبرصي، ويعلم أنّ وحدة البحار والساحات أصبح بحراً واحداً أيّ ثلاث بحار ببحر واحد على المستوى الإستراتيجي في إطار عملية إدارة الإقليم، وهذا له تأثير ضمن أطر التحولات التي تجري من مراكز قوى وتحالفات قد تبرز معالمها في قابل الأيام.
طبعاً تأتي خطوة وحدة المسار البحري ضمن صدّ التهديدات الإسرائيلية باتجاه لبنان، ثمة تطورات في ممرات الجيو حيوي للاقتصاد كممرات بحرية ونفوذ السيطرة التي تتجسد في محور المقاومة ورسائل حزب الله التي أراد إيصالها بالشكل والمضمون والتوقيت وأخذ صداه يتردّد تأثيره على الرأي العام الإسرائيلي ليُضاف إلى ما قام به هدهد المقاومة والذي صوّر مشاهد على ارتفاع منخفض وبدقة عالية الأمر الذي يعزز أيضاً بنك الأهداف في مخزون المقاومة وما تمتلكه من أوراق قوة عسكرية واستراتيجية.
وبالتالي ارتفع سقف تهديد حزب الله بالتصنيف الإسرائيلي مع زيادة في منسوب وتيرة التصعيد على جبهة الجنوب التي هزت المستوطنات الإسرائيلية في الشمال ليذكر ما نفع به «إسرائيل» في التسعينيات بعد عملية الحساب والعقاب عام 1993 مستلهم عناقيد الغضب عام الـ 1996 التي حملت في طياتها جذور التغيير في معادلة الردع التي تستحوذ على حقيقة التهديد العسكري العقابي المتبادل في عملية الحسم، إذ استطاع حزب الله إدارة المعادلات الذكية بالإمكانيات الصاروخية التي أصاب بمقتل الخاصرة الرخوة الإسرائيلية أيّ الجبهة الداخلية والدليل أنّ صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي ناقشت مسألة تبرير وجود جواسيس وبتصريح نتنياهو الذي طلب من بن غفير إثباتاً عسكرياً بعدم تسريب أسرار الدولة، دلالة هذا الأمر يأتي في سردية حقيقة المقاومة وما توثقه ويتمّ الكشف عنه عبر الفيديوات وخارجها التي لها عوامل جيوسياسية، أيضاً في السياق التحليلي عندما يعلن جيش الاحتلال عدم جاهزيته للحرب مع المقاومة في لبنان، يعني بكلّ تأكيد أنّ سياسة الردع لحزب الله سارية المفعول منذ حرب تموز إلى يومنا هذا والتي كشفت هشاشة الاستراتيجية الإسرائيلية أو بيّنت استراتيجية المعركة بين الحربين التي كانت لها خطوات بوضع كل نظرية ردع مقابل رسم خطوط القوة التدميرية مبيّناً عوامل نتائج الردع الإستراتيجي بثني الكيان وداعميه كأفضل علاج على مسرح إدارة الاستراتيجية العسكرية الأكثر نجاحاً لكبح جماح الكيان الإسرائيلي ومعه الأميركي ومن يقف خلفهما في موضع التحدي متمسكاً بنقاط عناصر القوة والفوز بها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى