قد يكونون في عمق أفكارهم… لا في عزلة
} حورية ناصر
هل تعلمون أنّ الشخص الذي تسيطر على إدراكاته، أنماط تفكير كالتفكير المجرّد، اللاخطي، والمتباين قد لا يعيش معكم في اللحظة أحياناً كثيرة؟ هنا أتحدث عن بعض الأشخاص الذين غالباً ما يميلون لأنواع التفكير المعقدة…
أنماط التفكير هذه لا تحتاج الى أشياء ملموسة أو حسية للغوص في التفكير، فهي عمليات فكرية تعتمد على الذات للوصول في ما وراء المحسوس، في عمقه… وعلى العكس، قد يحتاج هذا النوع من التفكير الى التقليل من الرسائل الحسية لزيادة نسبة التركيز، فـ بطبيعة الحال يحتاج صاحبها للهدوء والسكينة…
قد يبدو هذا الكلام مبهماً أو معقداً للفهم… تخيّلوا أنكم تقضون نهاركم عند البحر.. منكم من يجلس على الشاطئ، منكم من يسبح في البحر… ومنكم من يغوص في أعماقه… أولئك الذين يغوصون في أعماق البحر، هم معكم لكنهم بعيدون عما يحصل حولكم، وأنتم غير قادرين على معرفة الأمور التي يسبرون أغوارها، وفي بعض الأحيان حتى عند ذكر الغواص لما رآه لاحقاً فإنّ أيّ شخص لم يصل إلى هذا العمق مسبقاً عادة ما سيفشل في الفهم… لذلك ربما الأشخاص الذين يلجأون للعزلة أحياناً قاصدين الغوص في أفكارهم.. هم بالأحرى ليسوا في «عزلة»، إنما هم في «عمق»…
وبما أنّ كافة أنواع التفكير تعتبر مهمة، ولكلّ منها لها وظائفها وأهدافها، فعلى المرء دائماً أن يحاول بناء توازن فيها، وخاصة أولئك الذين تسيطر عليهم طرق التفكير التجريدي وغيرها كما ذكر مسبقاً. يكون ذلك عبر اللجوء إلى أنشطة وأعمال حسية، كالتأمّل في الطبيعة، القيام بأنشطة بدنية، القيام بجلسات حوارية، لمشاركة الأفكار الداخلية بطريقة محسوسة، أو كتابة أفكارهم لتحويلها أيضاً إلى لغة محسوسة… كي يكونوا في تواصل مع الواقع، ويفضل القيام بذلك مع أشخاص يتحلّون بدرجات من نفس نوع التفكير لضمان نجاح التواصل…
بما أنّ أنماط التفكير المعقدة، مثل التفكير المجرد، اللاخطي، والمتباين، ليست منتشرة على نطاق واسع كأنماط التفكير الحسي والخطي، فإنّه من واجب الأكثرية، التي تعتمد على هذه الأنماط الأخيرة في تفكيرها، أن تُدرك وتفهم وجود أنماط تفكير مختلفة ومتنوعة.
إنّ إدراك وجود أنماط تفكير مختلفة يُساعدنا على فهم السلوكيات والأفكار والدوافع الخاصة بالآخرين بشكلٍ أفضل. فمثلاً، قد تبدو تصرفات شخص يفكر بشكلٍ مجرّد غريبة أو غير منطقية لشخص يفكر بشكلٍ خطي، والعكس صحيح. فهم الاختلافات يُقلّل من سوء الفهم والحكم المسبق على الآخرين. ويحافظ على بيئة فيها ما يمفي من التفهم والتعاطف.
يُنصح الأشخاص الذين يتمتعون بتفكير مجرد، ولاخطي من جهة أخرى، بخوض التجارب الحسية من وقت لآخر لخلق جو من التفاهم والوسطية، لكي يعيشوا في «اللحظة»! لأن التجارب أيضاً لها أهميتها في الحياة، ولها نصيب في توفير قسط من السعادة والمتعة، متنفّساً من كلّ ذاك التعقيد…
للموضوع جوانب عديدة أخرى… فكلّ شيء مترابط بنظام شمولي أكبر… وما هذا الموضوع الا بجزئية بسيطةً منه…
أخيراً، تعتبر كافة أنماط التفكير مهمة، وكلّ منها له وظائف وأهداف محددة وايجابية، ولا يمكن التخلص عن أي منها.. لا يجب الاختيار أو وضع المنافسات بينها، وإنما يجب مد الجسور وخلق التوازن، وتعزيزها كلها في كل شخص… ويجدر القول بأنّ أنماط التفكير المعقدة هي أنماط تفكير عليا، يتحلى أصحابها بأنواع التفكير المبسطة لذلك يمكنهم التواصل بها وتفهمها جيداً… وإنّ لم يفضلوها…
أيها المتعمّقون لا تنسوا أن تعيشوا وتستمتعوا باللحظة! عسى أن يفهمكم الآخرون يوماً… فربما يتغيّر نظام التعليم، ويصبح تطوير الإدراكات المعرفية أهدافاً تُخطّ مع أهداف الدرس أيضاً!
أو ربما يستمرّ التركيز على الحفظ والتطبيق التلقيني كي يبقى القطيع!