«إسرائيل» بحكم الشلل الاستراتيجي ونتنياهو صفر خيارات…
نمر أبي ديب
بلغ الانقسام السياسي، داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، مرحلة الطعن الاستراتيجي في أسس الانتظام العسكري الذي قام عليه كيان الاحتلال، فقد شكلت استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت وغيرهما من أعضاء مجلس الحرب في حكومة الطوارئ الإسرائيلية، مقدمة سياسية لانهيارات حكومية أكثر من حتمية، انطلاقاً من عبثية الرهان، كما الموقف الذي يتسلح به رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، في مراحل غياب الخيارات السياسية والأمنية وحتى العسكرية، في الجبهة الفلسطينية كما اللبنانية، التي كشفت من خلالها المقاومة عن السلاح الملك، فخر الردع الاستراتيجي، القادر على توفير «متمّمات الحسم» وتغيير المعادلات العسكرية، الجوية كما البرية والبحرية من اللحظة الأولى…
الحديث هنا يتناول صواريخ أرض جو، يمكن من خلالها شلّ القدرات الإسرائيلية وإخراج سلاح الجو الإسرائيلي من الخدمة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ «إسرائيل» ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية تدركان جيداً المعنى الحقيقي لمعادلة امتلاك المقاومة صواريخ مضادة للطيران، إضافة إلى ما يعنيه هذا الامتلاك من كسر استراتيجي لقواعد اشتباك شرق أوسطية، حرصت الولايات المتحدة الأميركية على تطويرها لمصلحة كيان الاحتلال وتثبيتها كأمر واقع جوي على مستوى المنطقة.
بالتالي… مَن يقرأ بتمعّن مسبّبات الاستقالة التي تقدّم بها كلّ من غانتس وآيزنكوت وصحبهما يتلمّس حجم المأزق الوجودي، الذي دخلته «إسرائيل» من بوابة التزامن الاستثنائي مع تقاطعات وجودية عديدة من بينها، نهاية زمن الملوك يضاف إليها الترهّل الذي بلغه كيان الاحتلال الإسرائيلي، مع اقتراب «عقده الثامن»، وسقوط القوة الأسطورية أي الفكرة التي قامت بها وعليها كذبة الدولة والكيان.
الجدير في الذكر أنّ غياب الخيارات السياسية في هذه المرحلة لم تقتصر مفاعيله السياسية كما العسكرية على كيان الاحتلال، وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل شملت مجمل الحضور الغربي في المنطقة، والحديث يشمل الانتشار الأميركي الذي بات يخشى ـ والكلام صادر عن كبار المسؤولين الأميركيين ـ تطورات عسكرية غير محسوبة النتائج على الجبهة الشمالية للكيان، ما يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع القائم اليوم في المنطقة.
مما لا شك فيه أنّ «إعلان الخلاف» الذي طرح من خلاله جيش الاحتلال الإسرائيلي ما بات يعرف اليوم بـ الهدنة التكتيكية، يُضاف إليه رفض نتنياهو العلني لـ «خيارات الجيش الإسرائيلي»، سابقة سياسية ذات امتداد عسكري، مرفق بـ جوانب استراتيجية أكَّدت في مستهلّ الإضاءة على عوامل عديدة أبرزها: السقوط الاستثنائي لـ «عسكرة كيان الاحتلال»، مع ما يعنيه هذا السقوط من انهيار داخلي للانتظام السياسي وأيضاً العسكري، الذي قامت عليه وما زالت «إسرائيل» الدولة المزيفة، والكيان المصطنع…
هنا يجدر البحث كما التساؤل عن متدرجات ميدانية عديدة، من بينها ما يمكن أن يبقى أو يتبقى من مؤثرات الدور الإقليمي الذي يشغله كيان الاحتلال، بعد إخراج المقاومة «سلاح الجو الإسرائيلي» من الخدمة الفعلية؟ يجدر التساؤل عن «الحاضنة الأميركية» لكيان الاحتلال، عن مدى جهوزيتها في الدفاع وتأمين الحماية العسكرية المطلقة، في مراحل أكثر من وجودية، تقف فيها المنطقة على شفير حروب مصيرية، قابلة للتمدّد وأيضاً لعدم الاحتواء، يدرك معها الأميركي جيداً حجم التشابك الاستراتيجي الجامع ما بين «حرب غزة» إضافة إلى ما يمكن أن يكون عليه الوضع في الجبهة الشمالية لـ «إسرائيل»، و»حرب أوكرانيا» انطلاقاً من وحدة الساحات، التي بات الأميركي يترقب بكامل مقدراته السياسية كما العسكرية مفاعيلها الميدانية، ويحذر عالمياً من ترجمتها في أيّ «حرب إقليمية مقبلة» وصولاً إلى «جوهر وأبعاد» الانتصارات الأمنية كما العسكرية التي تتساوى فيها استراتيجياً انتصارات المقاومة في كلّ من فلسطين المحتلة ولبنان، مع الانتصارات التي يمكن أن تحققها روسيا سواء في الجبهة الأوكرانية، أم خارجها، على مستوى الجغرافيا الشرق أوسطية والعالم.
تحدثت وسائل اعلام إسرائيلية (عن التفكير مرتين قبل الخروج إلى الحرب مع لبنان)، وتلك سابقة عكست حال الكيان الإسرائيلي من جهة ومعه اختلال التوازن الأمني السياسي وحتى العسكري من جهة أخرى، يُضاف إليها العجز الإسرائيلي، مع مجمل عناصر التفوق التي بلغتها المقاومة، تحديداً «القدرات الاستخبارية»، وقد صنّفها جيش الاحتلال الإسرائيل، في أعلى مستوى.
ما تقدَّم عكس بشكل واضح ضعف الموقف الإسرائيلي ومعه الموقفان الأميركي والدولي، انطلاقاً من عاملين: افتقاد الإسرائيلي لقدرات الحسم والمبادرة، كما الدخول في حروب عسكرية إقليمية مضمونة المفاعيل والنتائج، وثانياً تعديل الأمر الواقع، والحديث يتناول اليوم مجمل المتغيّرات الشرق أوسطية، التي عكست حجم التحوّل الإقليمي بموازين القوى الأمنية كما العسكرية، بالتالي ما كان ينجز عسكرياً بمفهوم «القراءة المزدوجة» الأميركية والإسرائيلية، لم يعد قابلاً للترجمة الميدانية وأيضاً للصياغة انطلاقاً من متغيّرات المشهد، وموازين القوى الحالية.
بمعايير المقارنة العسكرية بين ماضي الكيان الإسرائيلي والتحوّلات الميدانية التي تشهدها الجبهتان الفلسطينية واللبنانية، «إسرائيل» سقطت مع مشروعها الشرق أوسطي، وما نشهده اليوم، حالة متقدمة من الشلل الاستراتيجي تتوافق مع ما أعلنته القناة 14 الإسرائيلية التي تحدثت عن أزمة ثقة وخلافات داخلية غير مسبوقة بين القيادة السياسية والعسكرية.
«إسرائيل» كيان عنصري ذو طبيعية عدوانية، فاقد لأدنى مقومات الحسّ الإنساني، لا خيارات عسكرية متاحة في هذه المرحلة، ولا حتى حلول داخلية استراتيجية، يعبر من خلالها بنيامين نتنياهو بر الأمان السياسي، بالتالي «إسرائيل» أعجز من شن الحروب الكبرى وما تعيشه اليوم يحاكي من زوايا مختلفة المجهول الوجودي الذي فرضه «اختراق المقاومة للعمق الإسرائيلي» على مشارف بلوغ الاحتلال عامه الثمانين.