التوترات «الإسرائيلية» ـ اللبنانية: احتمالات الحرب وآفاقها
} المحامي د. إبراهيم العرب
لا تزال تتزايد حدة القتال على الحدود الجنوبية اللبنانية، حيث تطلق القوات الجوية «الإسرائيلية» آلاف الغارات الجوية وتقتل مئات المواطنين، فيمَا يردّ «حزب الله» بإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على «إسرائيل»، ما أدى إلى نزوح نحو 120 ألف شخص من كلا الجانبين في المناطق الحدودية، مما يعكس حجم التوتر والخطر من تفاقم الوضع.
وقد طالبت فرنسا «حزب الله» بالانسحاب من جَنُوب الليطاني لتجنب حرب شاملة، في حين حاولت الإدارة الأميركية الضغط على «إسرائيل» لعدم توسعة الحرب في جبهتها الشِّمالية، لكن كلّ ذلك لم ينفع نتيجة التعنّت الإسرائيلي، إذ أعلن الجيش الصهيوني، يوم الأربعاء الماضي، أنه صادق على الخطط العملياتية لشنّ هجوم على لبنان وحزب الله، ولذلك فإنّ الساحة اللبنانية – الإسرائيلية باتت تشهد تصعيداً خطيراً جداً؛ إذ أبلغت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي نظيرها «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس أن بلادها تستعدّ عسكرياً لإجلاء مواطنيها، البالغ عددهم 45 ألفاً من لبنان، وأضافت أنّ كندا أرسلت فعلاً قوات عسكرية إلى المنطقة للمساعدة في عملية الإجلاء إذا نشبت الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله.
وفي السياق ذاته، كانت وزارة الخارجية البريطانية قد دعت رعاياها إلى عدم السفر إلى لبنان، كما شجعت المواطنين البريطانيين الموجودين حالياً هناك على المغادرة فوراً. وقبل ذلك، رفعت وزارة الخارجية الأميركية درجة تحذير السفر إلى لبنان لأعلى مستوياته، وهو المستوى الرابع الذي ينصح الرعايا الأميركيين بعدم السفر إلى الوجهة المدرجة. كما سمحت الوزارة لموظفي الحكومة الأميركية غير الأساسيين وأفراد أسرهم المؤهّلين، بمغادرة السِّفَارة في لبنان. أما دول الخليج، فقد بدأت تُخرج رعاياها من لبنان، إذ أصدرت وزارة الخارجية الكويتية، نهار الجمعة الماضي، بياناً جدّدت فيه دعوتها لمواطنيها بعدم التوجه إلى لبنان في الوقت الحالي، نظراً للتطورات الأمنية المتعاقبة التي تشهدها المنطقة.
كما أهابت الوزارة بمواطنيها المتواجدين في لبنان دون وجود حاجة ملحة، بـ»ضرورة المغادرة بأسرع وقت ممكن».
ويرجع سبب كلّ هذه المخاوف الأجنبية والعربية، إلى أنه على الرغْم من أنّ الحرب بين إسرائيل و»حماس» في غزة جذبت قدراً كبيراً من اهتمام العالم، إلا أنّ الحرب الإسرائيلية المحتملة على لبنان والتي باتت نواقيسها تدقّ بشدّة في الآونة الأخيرة أكثر خطورة، نتيجة لأنّ حزب الله أقوى بعشر مرات من حركة حماس، مما يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة هذه الحرب والخسائر المترتبة على الطرفين، واحتمالات امتدادها إقليمياً إلى إيران.
أولاً: مخاوف الغرب من انزلاق «إسرائيل»
في وحول لبنان
وَفْقاً لـِتقرير خاص لمجلة «فورين بوليسي»، فإنّ «حزب الله» اللبناني يُعتبر أقوى بكثير من حركة «حماس» ويُعتقد أنه الجهة غير الحكومية الأكثر تسلحاً في العالم، كونه يمتلك نحو 130 ألف صاروخ وقذيفة قادرة على ضرب أكبر مدن «إسرائيل» وإرباك أنظمة الدفاع الجوي، وفقاً لتقديرات مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية. علاوة على أنّ حزب الله يمتلك شبكة أنفاق تحت لبنان، بالإضافة إلى طرق إمداد برية وجوية تربط لبنان بإيران عبر العراق وسورية، وهذا ما يمكّنه من الحصول على الدعم اللوجستي والعسكري بسرعة في حالة نشوب حرب. فضلاً عن أنّ مقاتلي الحزب اكتسبوا خبرة قتالية كبيرة في سورية وطوّروا ترسانتهم العسكرية منذ عام 2006.
وفي نفس السياق، يرى البروفيسور دانييل بايمان من جامعة جورج تاون، أنّ الحرب الإسرائيلية مع حزب الله ستكون خطرة على «إسرائيل» أيضاً، وأنّ الطريق الأمثل لـ «إسرائيل» لتخفيف التصعيد على حدودها الشّمالية يَجِبُ ألاّ يمر عبر محاربة حزب الله، وإنما من خلال إبرام تسوية مع حركة حماس في غزة، لأنه إذا ما وافقت الأخيرة على اقتراح وقف إطلاق نار معدّلاً بما يناسب مصالح الطرفين، فإنّ حزب الله سيحترم ذلك القرار.
ولذلك، فإنّ الحكومة الإسرائيلية لا تزال تتعرّض لضغوط ضمنية حتى الآن لدفعها للتراجع عن قرار توسعة الحرب، والتوصل إلى حلّ مع حزب الله يسمح بتأمين سلامتها وعودة نازحي الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم.
ثانياً: مخاوف المسؤولين «الإسرائيليين»
من تكبّد أثمان باهظة
في حين أعلن وزير الخارجية «الإسرائيلي»، يسرائيل كاتس، أنه «واثق من أنّ إسرائيل قادرة على تدمير حزب الله والإضرار بلبنان، وأنها وإنْ كانت ستواجه مخاطر وخسائر جسيمة، إلا أنّ عليها أن تتحمّلها كي تعيد نحو 60 ألف شخص نزحوا بسبب القتال إلى المستوطنات على طول الحدود الشّمالية مع لبنان»؛ إلا أنّ صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية فضحت مقدار القلق الإسرائيلي الكبير من حزب الله، فقد أشارت إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يعتبرون حزب الله عدواً أقوى بكثير من «حماس»، حيث أكّدت صحة المعلومات الاستخبارية الغربية، من أن الحزب يمتلك فعلاً 130 ألف صاروخ وقذيفة و100 ألف مقاتل، من بينهم أعضاء «وحدة الرضوان» النخبوية.
كما فضح موقع «واينت» الإسرائيلي المخاوف الإسرائيلية من الحرب، حيث أشار إلى أنّ حزب الله أقوى وأفضل تجهيزاً من «حماس»، ولذا فإنّ هنالك مناطق داخلية واسعة ستتضرّر من حزب الله، ومُسيّراته الهجومية التي تحمل عبوات ناسفة، باستطاعتها أن تقصف العديد من المعسكرات الإسرائيلية وتدفّعها أثماناً باهظة.
من هذا المنطلق، حذّر جنرال الاحتياط الإسرائيلي إسحاق بريك حكومة «إسرائيل» من مخاطر مهاجمة حزب الله، مشيراً إلى أنها قد تشعل حرباً إقليمية، ومنتقداً بشدّة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت وقائد أركان الجيش هرتسي هاليفي، معتبراً أنّ حربهم هذه قد تؤدّي إلى انهيار «إسرائيل»، خصوصاً بعدما فقد قادة الجيش الإسرائيلي الثقة بقيادتهم السياسية التي لم تعد توفّر لهم القوة المعنوية اللازمة لمحاربة حزب الله. أما مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إيال هولاتا، فقد أعرب عن قلقه الشديد من أن تؤدي الحرب مع «حزب الله» إلى إقدام إيران على اتخاذ الحرب ذريعة لتطوير برنامجها النووي وإنتاج قنابل ذرية.
ثالثاً: المخاوف اللبنانية
في الوقت ذاته، يواجه لبنان فراغاً رئاسياً وأزمة مالية واجتماعية تؤثر على أوضاع موظفي المؤسسات والمراكز الحكومية والجيش اللبناني والقضاء، وما يزيد من تعقيد الوضع أنّ وضع القطاع الخاص المالي أيضاً في خطر، في ظلّ تأخر الحكومة والبرلمان اللبناني عن اتخاذ الإجراءات الإصلاحية التي تطالب بها كلّ من فرنسا وصندوق النقد الدَّوْليّ. كما أنّ الشركات العالمية، مثل القطرية للبترول والإيطالية «إيني»، تواجه تحديات في الاستثمار في قطاع الطاقة اللبناني وَسَط التهديدات بالحرب.
فضلاً عن أنّ الأوضاع الحالية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تنهك اللبنانيين، والمخاوف تتزايد مع احتمالات نشوب حرب شاملة تلوح ملامحها في الأفق.
وعلى هذا، فإنّ كلّ التحليلات تشير إلى أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان إنْ وقعت ستكون مدمّرة لكلا الجانبين، مع تأثيرات واسعة النطاق على المنطقة.
ختاماً، إنّ حزب الله اللبناني لديه القدرة على الدفاع عن نفسه وعن لبنان في مواجهة «إسرائيل»؛ وما أدلّ على ذلك، سوى مشاهد الاستطلاع الجوي التي نشرها الحزب مؤخراً لمناطق في شمال الكيان عادت بها طائرات القوة الجوية التابعة له، وأظهرت لقطاتها مدينة حيفا ومجمّع صناعاتها العسكرية وشركاتها كشركة «رافائيل»، وميناء حيفا الذي يضمّ قاعدة حيفا العسكرية، والتي هي القاعدة البحرية الأساسية في الجيش الإسرائيلي، وكذلك ميناء حيفا المدني، ومحطة كهرباء حيفا، ومطار حيفا، وخزانات نفط، ومنشآت بتروكيميائية، بالإضافة إلى مبنى قيادة وحدة الغواصات، وسفينة ساعر 4.5 التي هي مخصصة للدعم اللوجستي، وسفينة ساعر 5؛ التي توعّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله باستهدافها كلها، براً وبحراً وجواً في حال شُنت حرب على لبنان.
لذلك فإن لم يتراجع الجيش الإسرائيلي عن قراره غير الحكيم بمحاربة لبنان، سيكون هو الخاسر الأكبر، لأنّ حركة المقاومة اللبنانية بشهادة جنرالاته أقوى بكثير من حركة حماس، التي لم يتمكن جيش العدو من القضاء على ربع قدراتها العسكرية بعد تسعة أشهر على عملية طوفان الأقصى، ولا من تحرير أسراه لديها ووقف استنزاف عناصره بشكل دوري.
وفي النهاية، فإن فرضت «إسرائيل» الحرب على لبنان ومقاومتها كونها آزرت المقاومة الفلسطينية الغزاوية بعد 7 أكتوبر، ودافعت عن القضية الفلسطينية وتحرير القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية من رجس الاحتلال الصهيوني النازي، فعلى كلّ مواطن لبناني شريف الوقوف إلى جانب الحق والعدل وقوى الخير المتمثلة بمقاومته الشريفة، لا إلى جانب قِوَى الاحتلال والاستعمار الأجنبي التي فصلتنا عن بعضنا البعض بموجب اتفاقية سايكس بيكو الغاشمة، وباعت فلسطيننا وقدسنا وأقصانا وكنيسة قيامتنا لصهاينة اليهود بوعد بلفور اللعين، ومنعتنا من إقامة أيّ وحدة أو اتحاد مماثل لكيان الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وأشباههما، لا لشيء إلا لاستكمال مسلسل سرقة ونهب مواردنا وثرواتنا النفطية والغازية، ومنعنا من الخروج من بوتقة الأنظمة النامية ودول العالم الثالث، التي لا تتمتع لا بحق فيتو في مجلس الأمن ولا بحق بيع نفطها الوطني بغير عملة الدولار ذي التغطية الذهبية المعدومة، ولا حتى بحق تصنيع أسلحة نووية أو شراء طيران حربي متطور، ولإبقائنا كأسواق استهلاكية لمصانعهم وشركاتهم المتعددة الجنسيات.
أما بالنسبة لكل من لا يرغب بمناصرة أخيه المستضعف خَشْيَة على سلامته الخاصة وحفاظاً على ممتلكاته الشخصية، نحيله لقوله تعالى: «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا» (سورة النساء: الآية 75)؛
كما نوجّه سؤالاً لكل متخاذل: بعد أن سيّر الله عز وجلّ السيّد حسن نصر الله، نصيراً لمستضعفي غزة كي يحول دون إبادتهم جماعياً، كيف ستقنعوننا بأن نخذله مثلكم؟