نقاط على الحروف

المسافة صفر ورئيس الأركان الأميركية

ناصر قنديل

كان ثوار الفيتكونغ يستخدمون مصطلحاً عسكرياً لقتالهم يسمّونه بالإمساك من الحزام، ويقصدون به الالتصاق بجيش الاحتلال الأميركي بما يؤدي الى تعطيل فاعلية سلاح الجو الأميركي وتفوّقه الناري في استهداف مواقع الثوار الفيتكونغ. وقد ابتكرت المقاومة الفلسطينية مصطلح القتال من المسافة صفر، وهي تنشر تسجيلاتها المصوّرة للمقاومين وهم يطلقون النار ويزرعون العبوات في هياكل الدبابات والمدرّعات، من المسافة صفر.
مفهوم المسافة صفر ليس تعبوياً فقط، ولا يعبر عن الروح المعنوية العالية للمقاومة، بل هو ميزة استراتيجية في الحروب، تدركه قوى المقاومة وتستثمر عليه، لأن جيش الاحتلال عندما يريد فرض معادلاته عليه أن يتوغّل في البر الذي تنتشر فيه قوى المقاومة، ويدخل آلياته في شوارع وأحياء تملك المقاومة فيها خلايا وفصائل، فيما كل فائض القوة الناريّ لجيوش الاحتلال وهي جيوش أجنبية استعمارية غازية، يرتبط بالتفوق الناجم عن قدرته على إلحاق الأذى عن بُعد دون أن تطاله نيران المقاومات الشعبية بقدراتها النارية المتواضعة. وعندما يكون جيش الاحتلال مضطراً للتوغل بمشاته وآلياته، قريباً من المناطق التي تنتشر فيها المقاومة، فهو يفقد تلقائياً هذه الميزة الاستراتيجية، ويمنح المقاومة فرصة القتال من مسافة صفر، حيث مدى النيران الفعال متساوٍ، بين الاحتلال والمقاومة، مقابل تفوق المقاومة في قدرة التخفّي والتقرّب من الهدف من جهة، وفي الحالة المعنوية من جهة موازية، وفي البيئة المساندة من جهة ثالثة، والتصالح مع الجغرافيا من جهة رابعة، وبذلك تتوافر للمقاومة شروط الربح بالنقاط في حربها، وتحويلها الى حرب استنزاف، يضطر جيش الاحتلال بختامها إلى الانسحاب والانهزام.
هذه الميزة الاستراتيجية للمقاومة، كانت حاضرة في كلام رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال تشارلز براون تعليقاً على فرضية حرب بين جيش كيان الاحتلال والمقاومة في جنوب لبنان، حيث قال «إن قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن «إسرائيل» من هجمات «حزب الله» قد تكون «محدودة»، أكثر من قدرتها على المساعدة في اعتراض الهجوم الصاروخي والطائرات المسيّرة الذي شنته إيران على «إسرائيل» في أبريل، وقال براون: «من وجهة نظرنا، واستناداً إلى مكان وجود قواتنا، وقصر المدى بين لبنان و»إسرائيل»، فمن الصعب علينا أن نكون قادرين على دعمهم بالطريقة نفسها التي فعلناها في أبريل».
المسافة صفر بين المقاومة وجيش الاحتلال هي العائق الاستراتيجي الذي يجعل التدخل الأميركي لمساندة جيش الاحتلال لمنع إلحاق أذى قد تلحقه به صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة ضعيف الفعالية الى درجة الانعدام، إذ يكفي التذكير أن إقلاع طائرة أميركية من ظهر حاملة طائرات أو من قاعدة أميركية قريبة يحتاج إلى بضع دقائق بعد تلقي الإنذار ببضع دقائق، تكون خلالها الطائرات المسيّرة للمقاومة أو الصواريخ الموجهة قد وصلت إلى أهدافها وتكفلت بتدميرها، بينما كانت هذه الطائرات قادرة على التحليق والانتظار في الأجواء وقتاً غير قصير لملاقاة الصواريخ والطائرات المسيّرة الآتية من إيران.
مقتل كيان الاحتلال، مثل كل احتلال، أن الشعوب والمقاومات تملك ميزة استراتيجية اسمها المسافة صفر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى