الوطن

ندوة فكرية في الذكرى السنوية الأولى لرحيل العلامة الشيخ عفيف النابلسي في صيدا

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله، نظم مكتب حفظ آثار العلامة الشيخ عفيف النابلسي في مجمع السيدة الزهراء في صيدا ندوة تحت عنوان «شهادات في العلامة النابلسي ـ الدورة الأولى»، شارك فيها الوزير السابق محمد فنيش، رئيس تحرير صحيفة «البناء» النائب السابق ناصر قنديل، العلامة الشيخ حسين شحادة والشيخ حسين غبريس، وقدمها الإعلامي عماد عواضة.
حضر الندوة مسؤول العلاقات الإعلاميّة في حزب الله الحاج محمد عفيف، وفد من الحزب السوري القومي الاجتماعي ضمّ عضو المجلس الأعلى ـ الأمين العام للمؤتمر العام للأحزاب العربية قاسم صالح وناموس منفذية صيدا ـ الزهراني علي عسيران ومدير التحرير المسؤول في صحيفة «البناء» رمزي عبد الخالق، المنسق العام للقاء الإعلامي الوطني سمير الحسن وعدد من أعضاء اللقاء، وممثلون عن الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية وحشد كبير من العلماء والأصدقاء والمواطنين.
فنيش
استهلت الندوة بكلمة الوزير السابق محمد فنيش الذي أكد أنّ العلامة النابلسي ينتمي بحسب نهجه وآرائه وحركته الى الإسلام الحركي، مقارنة بمناهج إسلامية أخرى، والتي لا ترى دور العالم أبعد من نقل الموقف والموعظة والتدريس وإمامة المسجد، بل انّ بعضها يعتقد انّ غير ذلك لا يخدم مصلحة الدين ولا يعتبر من شروط وصفات وواجبات أهل العلم.
أضاف فنيش: العلامة النابلسي، كان مواكباً منذ البداية لحركة الإمام الصدر، وفاعلاً في دفعها نحو أهدافها المتصلة بقضايا الوطن والمحرومين والدفاع عن الجنوب.
وكان قريباً من الشهيد السيد محمد باقر الصدر فكراً وأطروحة، وانْ كنت لا أعلم الصلة الشخصية بينهما.
وكان من الطبيعي ان يكون العلامة النابلسي أيضاً، من أوائل الذين تفاعلوا مع الإمام الخميني ونهضته وتأسيسه لدولة الإسلام في إيران.
فكان من المجموعة المؤسِّسَة من جمع المؤمنين الملتزمين الإسلام، كحركة نهوض وإصلاح على نهج الإمام الخميني وإتباعه لخطه، وموالاة لقيادته واطروحة ولاية الفقيه التي تعني القيادة الشرعية لبلوغ المشروع الإسلامي أهدافه، بكلّ أبعاده الروحية والإيمانية والعقائدية والاجتماعية.
ولفت فنيش الى انّ العلامة النابلسي، كان أيضاً من أوائل الذين جاهروا بشجاعة الموقف، رفضاً للاحتلال الصهيوني للبنان والجنوب، وكانت له وقفة علنية في بلدة البازورية بعد فترة قصيرة من الاحتلال. وعمل مع إخوانه من علماء جبل عامل على تأسيس هيئة علمائية تلتزم النهج المقاوم وتوابعه بالموقف، لمنع محاولات العدو للتطبيع مع القرى، وكان للشيخ الشهيد راغب حرب الدور الأكبر في إحباط مخططات العدو.
وتابع فنيش: ثم كانت بداية التواصل وتعبئة الطاقات مع المقاومة في إطارها التنظيمي، وتوزيع العمل بين الهيئة والإطار الجديد ومجموعات المقاومة التي بدأت حضورها في ميادين المواجهة.
هذا الأمر اشعر العدو بالخطورة، وسقط من هؤلاء العلماء عدد من الشهداء، واجبر عدد منهم على مغادرة الجنوب وعلى رأسهم العلامة الشيخ النابلسي والذي لم يتحمّل المحتلّ حركته ومواقفه ودوره مع إخوانه فاضطر الى مغادرة الجنوب.
وبعد التحرير وإجبار العدو على التقهقر والانسحاب تحت ضربات المقاومة وتنامي دورها وتطوره عاد الشيخ النابلسي الى ميادين المقاومة والجهاد.
وأردف فنيش: آمن العلامة النابلسي بالعمل المؤسساتي والانطلاق فيه وسعى من أجل التواصل مع مختلف المكونات الوطنية والطائفية اللبنانية. وعمل على وحدة المسلمين الشيعة والسنة وعلى التقارب مع فاعليات صيدا من مسلمين ومسيحيين، كما كرّس مجمع الزهراء كصرح لهذا التلاقي.
شحادة
من جهته قال الشيخ حسين شحادة في كلمته: تعود بي الذاكرة الى مدينة العلم في النجف الأشرف و50 عاماً من أثقال التحديات. وقد كانت وفية ومخلصة لنهج أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام جهادا في سبيل الله بالموقف، وجهاداً في سبيل الله بالكلمة، وجهاداً في سبيل الله بالقلم. كنا غرباء، وكانت غربتنا في المشهد الإسلامي الغائب كالنقاط الضوئية في وسط الظلام. وكان صوت الآذان يُرفع من المسجد الأقصى فيتصادى في النجف وفي الأزهر ومنهما يذهب الصدى بعيداً الى مدن كثيرة.
كنا أمة وكان الآذان يهز ضمائرنا بأسئلة النهوض، لكن المشكلة كانت في ذلك التداخل التاريخي، بين أزمات الشعوب المقهورة وأنظمة الاستبداد، والتي حفرت فجوات عميقة بين ثقافة السلطة وثقافة الأمة .
كان الشيخ عفيف رضوان الله عليه من بيننا، وكنا معه في قلب الصحوة الإسلامية. وكنا إذا ضاقت علينا الشغل سمعنا الشيخ يقول بصوته الحزين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. كان يرتلها وقد برزت في العالم العربي والإسلامي ثلاثة اتجاهات… اتجاه بالغَ بدعوته الى حماية الذات المذهبية والطائفية. وانصرف عن قضايانا الكبرى، واتجاه استعار من محاكاة التجربة المكية جوانب الأسس التي يقوم عليها البنيان الاسلامي. وانصرف هو الاخر عن مواجهة التحديات، واتجاه الى قرار انّ يخوض معاركه الفكرية والسياسية ليبارز التحديات التي تحاصر الصحوة الإسلامية من خارج ومن داخل.
وشهد الشيخ النابلسي ما تجانس من هذه التحديات وما تنافر، وانحاز الى ترتيب أولويات النهوض من خلال اهتمامه بطرح سؤالين أحدهما السؤال عن مشروع الصحوة الإسلامية ما هو والسؤال الثاني عن مرجعية الصحوة الإسلامية كيف تكون ومن هي؟
فلما انبلج الفجر الإسلامي المبارك في إيران وتجسّد المشروع بجمهورية إسلامية عزيزة ومرجعية عابرة للطوائف والمذاهب رفعت علم فلسطين الى جانب علم الوحدة، ضحك الشيخ عفيف طويلاً واعتدل بعمة الضوء وقام كما يقوم الفرحان تحت اسم الولي الفقيه وألقى بنظره الى الأفق البعيد، وقد صارت قبة الأقصى أقرب ما تكون الى تكبيرة صلاته…
وتابع شحادة قائلاً: خاض الشيخ المجاهد معاركه الفكرية والسياسية والثقافية كصاحب قضية وكصاحب رسالة، ورأيناه في جميع الخنادق وعلى جميع المنابر يصدّ الاعلام الأسود الذي كانت يستهدف حواضن المقاومة وروافعها. وبدهشته العاملية كان يصرخ صرخة الفارس بصهيل جواده لماذا تكرهوننا؟ لماذا تناصبون العداء لجمهورية المشروع المرجعية؟ لماذا تفصلون قضايا الأمة بعضها عن بعض بألغام المركزية والتقسيم؟ لماذا تزرعون في أرضنا ألغام الفتن والتطرف والإرهاب؟ لماذا تحاصرون النهوض؟ لماذا تطفئون شموع الصحوة الإسلامية؟
وكان رضوان الله عليه يجيب بأن أخطر ما في العقيدة السياسية للاحتلال والرامي الى تهويد المنطقة كحلقة مركزية من صهينة العالم أخطر ما في هذا المشروع الصهيوني انه قسم ظهر الأمة الى اثنين. الأول ذهب الى تجويف فهمنا عن الأمن القومي العربي والإسلامي، والثاني ذهب بعيداً بعيداً بتدمير الثقة بين أبناء الأمة الواحدة وبث المخاوف بين مكونات هذه الأمة على نحو ولأول مرة في التاريخ الحديث السياسي يستبدل فيه مصطلح الخطر من خطر كان مقروناً على جانب واحد هو العدو الصهيوني، بالحديث عن الخطر الإيراني وعن خطر المقاومة وعن الذين يدافعون عن كرامتنا وعن اعراضنا وعن شرفنا وعن وحدتنا!
ومن هنا بالذات بدأ مشروع التشكيك بغسلامية المقاومة ووطنيتها.
ولنتذكر معاً، وأهل صيدا يتذكّرون انّ المسجد الزعتري لأول مرة في تاريخ لبنان هذه المقاومة تذيب الفوارق بيننا وتمحو كلّ هذه العناوين وهذه المصطلحات الطائفية والمذهبية.
وقد تعاهدنا على أن ننهض بمسؤولية القلم وتواصينا بالصبر وبالحق .
وقال العلامة شحادة: نحن الآن نعيش في أزمة المجاهدة بالحق، وقلت له رضي الله عنه في ما يلتزم بهوية الهوية الوطنية للمقاومة، هذه المقاومة التي عاشت بدماء روحية وعقائدية ووطنية لا ترى في وحدة لبنان وميثاق لبنان واستقلال لبنان وتحرير أرض لبنان إلا سورة كاشفة عن قيمنا الإسلامية.
وتحدث عن الدراسات الأولى غرسات التوحيد بوصفه مبعث القيم العليا وبوصفه منبع القيم العليا والهوية أيها الأحبة كلّ الهويات تتشكل من خارج الإنسان، من لغة من أرض من تاريخ من انتماء إلا الهوية بالمنظور الإسلامي. فإنها تتشكل لحظة انتصار الإنسان على نفسه داخل فضاء التقوى.
ولذلك فإنّ الهوية بعيون المقاومين لا تصبح ناجزة ولا كاملة إلا عندما تنتصر بثقافة الوحدة وثقافة الحرية وثقافة السلم الأهلي على ثقافة التهويد والتبعية والاستعباد وابتلاع القيام.
وختم شحادة بالقول إنّ الشيخ النابلسي على وضوح رؤيته العميقة استطاع ان يكشف أمامنا جوهرة الوئام لا بين المشروع الإيراني الأخلاقي والمشروع الوطني المقاوم في لبنان فحسب، بل الوئام أيضاً بين هذين المشروعين وجميع مشاريع أحرار العالم الملتزمين بقضايا الدفاع عن الحرية والكرامة وفي مقدمها قضية فلسطين.
غبريس
ختاماً كانت الكلمة للمدير التنفيذي في الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ حسين غبريس الذي استهلّ كلامه بالقول: نحن اليوم في حضرة عالم جمع في شخصه مواصفات عديدة: فكان مجاهداً عالماً وفقيهاً وأديباً وخطيباً وشاعراً وكاتباً اجتماعياً.
وهذا قلما يتوفر في شخص واحد هذا من جهة، ومن جهة ثانية حمل فكره وعلمه وخرج يسعى مبلّغاً وداعياً الى الله تعالى في لبنان وأصقاع الأرض، وفي كلّ مكان حلّ فيه ترك بصمات وأثر بحيث إذا طال الغياب حنوا اليه.
انه العالم الرباني، الذي رافق الإمام باقر الصدر والإمام موسى الصدر، وبايع الإمام الخميني، ومحض الولاء للسيد القائد الخامنئي، وكذلك السيد الشهيد عباس الموسوي، وناصر العالِم الملهم والقائد الفذ سماحة السيد حسن نصرالله.
وتابع غبريس: كان العلامة النابلسي أنيساً للمجاهدين، وحث أبناءه على السير بنهجه الذي آمن به حتى لاقى ربه.
إذاً نحن أمام شخصية فذة قام بما عليه من خدمة الدين والإنسان، ويكفي ما تركه من إرث وأمانة لأنجاله وأحفاده كي يكملوا المنهج نفسه والطريق.
وروى الشيخ غبريس أمام الحاضرين جملة من الأحداث والمواقف التي شهد عليها مع العلامة الشيخ النابلسي سواء في لبنان أو في الخارج، وكيف كان دائماً رجل الحكمة والمواقف الشجاعة.
وفي ختامِ الندوة قدّمَ مسؤول قطاع صيدا في حزب الله الشيخ زيد ضاهر صورة للعلامة النابلسي بريشة الفنّان عبد طويل، تسلّمَها نجلُه الأكبر مسؤول العلاقات الإعلاميّة في حزبِ الله محمد عفيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى