أولى

الهدهد وسماحته هدية المقاومة في العيد…

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
مع حلول عيد الأضحى هذا العام كانت المعنويات منخفضة إلى أدنى مستوى، وهو ما جعلني أكتب ثلاثة مقالات متصلة تعبّر عما آلت إليه الأوضاع في منطقتنا، فكان المقال الأول بعنوان الفقراء لا يصنعون ثورات، أكدت فيه على أنّ الأنظمة السياسية العربية التي تراهن على تجويع شعوبها حتى لا يتمكّنوا من الثورة عليهم هم واهمون لأنّ الفقراء فعلاً لا يقومون بثورات لكنهم يصنعون فوضى عارمة ومدمّرة تأخذ في طريقها الأخضر واليابس، لذلك عليهم أن يسرعوا في احتوائهم بدلاً من إفقارهم…
وجاء المقال الثاني بعنوان عيد الأضحى والحكومات العاجزة، وأكدت من خلاله أنّ العيد أصبح مصدراً للألم بدلاً من أن يكون مصدراً للفرح، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردّية للغالبية العظمى من الشعوب العربية التي لم يعد بإمكانها تلبية متطلبات الحياة اليومية، ويبرز العجز في فشل الغالبية العظمى من فئة المستورين الذين كانوا حريصين على شراء الأضاحي وأصبحوا اليوم عاجزين عن ممارسة هذا الطقس والشعيرة الدينية، في ظلّ عجز من الحكومات على حماية هؤلاء المواطنين.
وجاء المقال الثالث بعنوان عيد برائحة الدم، أكدت فيه على أنّ عيد الأضحى هذا العام لم يأتِ برائحة دم الأضاحي المعتادة، لكنه جاء برائحة الدم الإنساني المحرّم في كلّ الشرائع السماوية، حيث أسالَ العدو الصهيوني دماء أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، في الوقت الذي وقف كلّ العالم العربي والإسلامي شعوباً وحكومات يتفرّجون، وأوضحت في نهاية المقال أنّ محور المقاومة فقط من ينوب عن الجميع في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني عبر شهدائه الأبرار.
وفي ظلّ المعنويات المنخفضة والإعلان الصريح لكلّ من أعرفهم بأنني لا يمكن تقبّل التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وأنني متضامن مع أحزان أهالينا في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي ظلّ هذه الأجواء جاءت بشارة العيد، لتبدّد كلّ الأحزان، ولتعيد للعيد طابعه المعتاد من الفرح والسرور، وكما توقعت جاءت الفرحة عبر محور المقاومة من خلال جبهة الإسناد القوية في شمال فلسطين المحتلة حيث قامت المقاومة الإسلامية اللبنانية بعملية استخبارية كبيرة زلزلت أركان الكيان الصهيوني، وأرسلت مجموعة رسائل للعدو الصهيوني ومن يدعمه ويقف خلفه، وفي مقدمتهم العدو الأميركي الذي أرسل مندوبيه لتهديد لبنان بشنّ حرب ضده إنْ لم توقف المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة عملياتها المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة والتي تكبّد العدو الصهيوني خسائر هائلة يومياً منذ انخراطها في الحرب في اليوم التالي مباشرة لانطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي.
جاءت العملية الاستخبارية تحت مسمّى «الهدهد» حيث قام الإعلام الحربي لحزب الله بنشر مشاهد مصوّرة لطائرة مُسيّرة تتضمّن مسحاً دقيقاً لمناطق في مدينة حيفا وشمالي فلسطين المحتلة، وكشف الفيديو الذي تجاوزت مدته 9 دقائق، صوراً عالية الدقة لميناء ومطار حيفا بالكامل، ومستوطنة الكريوت، ومواقع عسكرية ومنشآت بتروكيميائية حساسة، وأكد الحزب أنّ ما عاد به «الهدهد» يتضمّن ثلاثة مستويات في بنك الأهداف، مدنية وعسكرية واقتصادية، وهو ما يعني أنّ هناك تكلفة باهظة سوف يتكبّدها العدو الصهيوني إذا ما حاول توسيع دائرة الحرب لتشمل مواجهة شاملة مع حزب الله في لبنان.
وجاءت ردود الأفعال سريعة على عملية «الهدهد» حيث سارعت وسائل الإعلام العبرية بالتأكيد على أنّ «الوثائق الجديدة هي أكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب، وفيها يمكن رؤية حيفا»، وقامت وسائل الإعلام بنشر الفيديو مع الزيارة التي قام بها مستشار الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين إلى لبنان حاملاً رسالة تهديد بالحرب، واضطر في أعقاب نشر الفيديو أن يحمل حقائبه ويجرّ معها خيبته ويتجه مباشرة من لبنان إلى تل أبيب ليجري مباحثات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين للعدو الصهيوني تحمل مضامين جديدة تحت عناوين جهود التهدئة بين العدو الصهيوني وحزب الله بعد تصاعد المواجهات بينهما خلال الأيام السابقة للعيد، وبالطبع حملت عملية «الهدهد» هدية عيد الأضحى المبارك من المقاومة اللبنانية لكلّ الشرفاء في أمتنا العربية والإسلامية المتضامنين مع شعبنا العربي الفلسطيني في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عدة رسائل أهمّها رسالة ردع لرئيس حكومة اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو بأنه إذا ما حاول توسيع دائرة الحرب على لبنان، سوف تكون كلّ المناطق التي جاءت بالفيديو المصور أهداف عسكرية قابلة للتدمير،أما الرسالة الثانية فتقول إنّ هناك ضعفاً تقنياً لدى جيش الاحتلال الصهيوني، الذي فشل في اكتشاف عمليات التصوير،
وتأتي الرسالة الثالثة لتكرّس معادلة الاختراق الجوي للمقاومة اللبنانية للأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل الاختراق الجوي الصهيوني في لبنان،
وجاءت الرسالة الرابعة لتثبت قدرات الاستطلاع لدى المقاومة دون أن يكون بإمكان جيش العدو الصهيوني رصد أو إسقاط أو منع أدوات الاستطلاع من القيام بمهمتها،
أما الرسالة الخامسة فهي أنّ لدى المقاومة اللبنانية بنك أهداف واسعة وضخمة تشمل المنشآت الحيوية والاستراتيجية الصهيونية.
ولم تكتفِ المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة بعملية «الهدهد» لتكون هديتها لنا في العيد، والتي بدّدت الأحزان وحوّلت العيد الذي مرّت أيامه الأولى برائحة دم شهداء أهالينا في قطاع غزة إلى فرح وسعادة وسرور، بل اكتملت فرحة العيد بهدية جديدة وهي خطاب سماحة السيد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني الذي أقيم تكريماً للشهيد القائد طالب عبد الله ورفاقه، حيث يعدّ الخطاب الأهمّ والأقوى منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، حيث حمل عدة رسائل على المستوى العسكري والجيوسياسي، حيث أكد سماحته على تعاظم قدرات حزب الله عسكرياً وتقنياً وتكنولوجياً وبشرياً، وشمل ذلك القدرات الاستخبارية للحزب على طول الجبهة، وفي العمق الصهيوني إلى حيفا، وما بعد حيفا، وما بعد بعد حيفا، حيث عبّر عن ذلك سماحته بقوله «العدو يعلم أنه لن يبقى مكان في الكيان سالماً من صواريخنا ومُسيّراتنا وليس عشوائياً، ولدينا بنك أهداف حقيقي وكبير، ولدينا القدرة على الوصول لهذه الأهداف بما يزعزع أسس الكيان»، وأكد سماحة السيد أنّ حزب الله يقوم باستنزاف العدو الصهيوني لمنع تحويل كامل قدراته وقواته نحو غزة، وكذلك يستهدف التجهيزات اللوجستية والالكترونية والاستخباراتية للعدو تمهيداً لأيّ تطوّر محتمل في المعركة على الجبهة اللبنانية، واستعداداً لنقل المعركة بالكامل للداخل الفلسطيني، حيث قال «إنّ الدخول إلى الجليل ما زال مطروحا»، وكشف سماحته عن حصول حزب الله على أسلحة جديدة ومتطورة، بالإضافة لتصنيعه للطيران المُسيّر، وامتلاك المقاومة لما يزيد عن 100 ألف مقاتل وهو ما يزيد عن حاجة الجبهة اللبنانية بكثير، ولم يكتف سماحته بذلك بل أكد على «أنّ العدو يعرف ما ينتظره في البحر المتوسط وكلّ سواحله وبواخره وسفنه ستستهدف»، وقام سماحته بتحذير شديد اللهجة إلى قبرص بقوله «إنّ على الحكومة القبرصية أن تحذر لأنّ فتح المطارات للعدو لضرب لبنان يعني أنّ قبرص جزء من الحرب وسنتعاطى معها على أنها جزء من الحرب»، وأكد سماحته في ختام خطابه أنّ «هذه المعركة هي أشرس معركة منذ عام 1948، وأنها ستغيّر وجه المنطقة»، وبذلك يكون سماحة السيد قد منحنا أجمل هدية في عيد الأضحى حيث أصبحت كلمة محور المقاومة هي العليا، وكلمة المحور الصهيو ـ أميركي هي السفلى، وأصبح نصر الله قريب، كما أنّ زوال الكيان الصهيوني قريب أيضاً، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى