من بركات طوفان الأقصى… تهافت أفكار ونظريات
} معن بشور
منذ نكسة الخامس من حزيران عام 1967 الى احتلال العراق عام 2003، شهد الوطن العربي، والعالم بأسره موجة من الأفكار والتحليلات التي تريد تكريس الهزيمة العسكرية بهزيمة فكرية وسياسية واجتماعية، وهي أفكار كان لنضالاتنا ومقاومة مجاهدينا، والتي توجتها ملحمة «طوفان الأقصى» دور كبير في تراجعها وسقوطها…
أول تلك النظريات هو أنّ 99% من أوراق اللعبة بيد واشنطن، وانّ على من يريد ان يصل الى السلطة، أو يحتفظ بها، ان يحرص على مراعاة هذه «النظرية» ويضع برامجه وخططه لمراعاتها، بل الانصياع الى ما تمليه واشنطن. ووفق هذه النظرية تمّ توقيع معاهدة كمب ديفيد ثم اتفاقي أوسلو ووادي عربة وصولاً الى الاتفاقات الابراهيمية وصفقة القرن…
أما النظريات الأخرى التي جرى الترويج لها منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومؤتمر مدريد، وحرب الخليج الأولى عام 1991. فكانت نظرية «نهاية التاريخ» لفوكوياما و «صراع الحضارات» لصموئيل هنتغتون.
لكن نضال الشعوب وحركات التحرر الوطني في العالم، لا سيّما في أمتنا العربية والإسلامية، قد أظهر سطحية تلك الأفكار والنظريات وتهافتها حتى أضطر بعض مطلقيها كـ فوكوياما الى التراجع عنها…
لقد كان واضحاً أمام ما نراه من حروب وصراعات ومواقف انّ نظرية 99% من أوراق اللعبة بيد أميركا لم تعد صحيحة، وأنّ الشمس بدأت تغيب عمن باتت منذ الحرب العالمية الثانية تبدو أنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بعد أن أصاب الأفول والذبول بريطانيا العظمى إثر حرب السويس والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
فلقد بات واضحاً انّ دولاً عديدة في العالم، وحتى قارات، لم تعد تحت نفوذ الإملاءات الأميركية، وبدأت مظاهر التفلت من الأوامر الأميركية تتكاثر، بما في ذلك من بعض حكوماتنا العربية المعروفة بـ «صداقتها» العميقة لواشنطن، والأمثلة على ذلك كثيرة لعلّ أبرزها تصاعد موجة الانضمام الى «بريكس» والمنظومات المشابهة، وتصاعد نفوذ روسيا والصين ودول إقليمية بارزة في غرب آسيا كـ (إيران وتركيا)، وأفريقيا (جنوب أفريقيا) وأميركا اللاتينية (كوبا وفنزويلا والبرازيل وغيرها…)، ناهيك عن التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حيث صوّتت واشنطن في مكان وأغلبية دول العالم في مكان آخر…
أما نظرية «نهاية التاريخ» التي أراد فوكوياما من خلالها، قبل ان يتراجع عنها مؤخراً، ان يروّج لهيمنة أميركية مطلقة، فباتت اليوم متهافتة ايضاً أمام التطورات التي شهدها العالم في كافة قاراته، وبدا انّ التاريخ الذي ينتهي بالفعل هو تاريخ هيمنة القوى الاستعمارية على العالم، وانّ تاريخاً جديداً يبدأ على يد قوى المقاومة والتحرر في العالم.
تبقى أخيراً نظرية «صراع الحضارات» التي أراد من خلالها صموئيل هنتغتون ان يبرّر إشعال حروب وفتن على مستوى العالم بين قارات وأديان وقوميات وأعراق، فقد تلقت هي الأخرى ضربة قاضية من خلال الإجماع العالمي الذي برز متضامناً مع غزة وعموم فلسطين في وجه حرب الإبادة الجماعية، وحيث رأينا متضامنين من كلّ الأديان والقارات والعقائد يلتقون في تظاهرات واعتصامات، لم يغب عنها عشرات الآلاف من اليهود غير الصهاينة، مما يؤكد انّ المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان وحرية الأمم هو شعوب العالم لا حكامها الغارقين في الفساد والاستبداد والاستهتار بكلّ القيم الإنسانية.
أنّ تسليط الأضواء على سقوط تلك الأفكار والنظريات، بات ضرورياً اليوم لكي نحيي حركات المقاومة والتحرر الوطني على ما حققته من إنجازات من جهة، ولكي يعيد أصحاب القرار والسلطة في بلادنا من جهة أخرى النظر في حساباتهم ومواقفهم كي لا يجرفهم «طوفان الأقصى»، كما جرف طوفان مماثل قبل عقود بعض الحكام ممن راهن على الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية فذهب معهما إلاّ بعض من نجح في استبدال الراعي البريطاني والفرنسي بالراعي الأميركي…