قوى المقاومة تغيّر مسار الصراع وتفرض المعادلات
} حسن حردان
أثبتت قوى المقاومة العربية المسلحة في لبنان وفلسطين المحتلة واليمن والعراق وسورية، مدعومة من إيران الثورة، أنها قادرة على تغيير مسار الصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين وأجزاء من الأرض العربية، ومعه الولايات المتحدة، وأكدت أنها تستطيع وضع حدّ لزمن الهوان العربي الرسمي، واستكمال مسيرة إلحاق الهزائم المتتالية بجيش الاحتلال المدجّج بأحدث الأسلحة الأميركية، وتؤكد انّ المقاومة المسلحة إنما هي الخيار والسبيل لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وإحباط مخططات العدو والقوى الاستعمارية الداعمة له، التي تستهدف شطب وتصفية قضية فلسطين، وتمكين كيان الاحتلال من تشريع وجوده في المنطقة والتسيّد عليها بما يخدم الدول الرأسمالية الاستعمارية وتأبيد هيمنتها على المنطقة ونهب ثروات شعوبها.
إنّ ما حصل في الشهور الماضية وما يحصل هذه الأيام من مواجهات ومعارك ضارية بين المقاومين في قطاع غزة وجيش الاحتلال من ناحية، وبين المقاومين في جنوب لبنان وجيش العدو في شمال فلسطين المحتلة، ومن دعم وإسناد من المقاومين في اليمن والعراق من ناحية ثانية، إنما يؤكد هذه القدرة لقوى المقاومة المسلحة، ويثبت عملياً انّ العدو ليس كلي الجبروت لا يمكن ردعه، او هزيمته.. حتى ولو حشدت لدعمه الأساطيل الأميركية، ومدّته واشنطن بجسر جوي وبحري من الدعم العسكري المتواصل.. وهذا ما تؤكده الوقائع الميدانية التالية:
أولاً، لقد نجحت المقاومة المسلحة في قطاع غزة في تأكيد قدرتها على استدراج جيش الاحتلال إلى حرب استنزاف مكلفة له لم يعرف مثيلاً لها من قبل، برهنت المقاومة خلالها، على رغم كلّ العوامل التي تصبّ في مصلحة العدو، من طبيعة الأرض المسطحة، وضيق مساحة غزة والحصار المفروض عليها منذ عشرين عاماً، انها تستطيع خوض حرب المقاومة الشعبية المسلحة الطويلة النفس، إذا ما وفرت شروطها، وعرفت كيف تطوّع الجغرافيا لمصلحتها، وبنت استراتيجية مقاومة تستند إلى دعم شعبها لها، وتقوم على الإيمان بالقدرة على مواجهة العدو والتغلب عليه، ووفرت مقوماتها، من وعي وتدريب وجاهزية، استفادت جيداً من خبرات المقاومة في لبنان، ومقاومات الشعوب المنتصرة في مواجهة الغزاة والمحتلين.. وهو ما تمكنت قيادة المقاومة من وضعه موضع التطبيق على مدى سنوات طويلة، ونجحت في تحقيقه، الأمر الذي أثبتته من خلال مواصلة القتال ضدّ جيش الاحتلال بلا هوادة، وكفاءة، والتي برهنت عليها مهارة مقاوميها في التصدّي لقوات وآليات العدو، ونصب الكمائن لهم، والدقة في تدمير دباباتهم ومدرّعاتهم، وكذلك في القدرة على الاستمرار في استهداف مواقع العدو بمدافع الهاون والصواريخ، وقصف المستعمرات الصهيونية في غلاف غزة، رغم سيطرة العدو على الأجواء.. الأمر الذي فاجأ العدو وأدخله في مأزق كبير، حيث علق في حرب استنزاف مكلفة أجبرت رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو على الاعتراف بكلفتها وأثمانها الباهظة التي يتكبّدها جيشه، الذي بات عاجزاً عن تحقيق النصر، او التراجع والتسليم بالفشل خوفاً من تداعياته الخطيرة على كيانه المصطنع.. ولهذا قرّر ومن أجل محاولة التخفيف من غرقه في غزة والنزف الذي يعاني منه، التحضير إلى تنفيذ ما يسمّى بالمرحلة الثالثة من عدوانه عبر الخروج من قلب المناطق السكنية، واللجوء إلى عمليات الإغارة والعمليات الخاطفة ضد المقاومة.. مع تشديد الحصار على القطاع.
ثانياً، بدورها أكدت المقاومة في لبنان القدرة على تطوير أساليب قتالها في مواجهة جيش الاحتلال واستنزافه وفرض منطقة أمنية في الداخل الفلسطيني المحتلّ، من خلال خوض حرب مواقع في مواجهته دعماً وإسناداً لغزة ومقاومتها، تستخدم فيها خبرات عقولها، والمعلومات المتجدّدة باستمرار، وبعض أسلحتها الفعّالة في اصطياد دبابات وجنود العدو، ومقرات قيادتهم، وتدمير منصات تجسّسهم ومراقبتهم على طول الحدود، إلى جانب البراعة في استخدام الطائرات المُسيّرة الاستكشافية، والهجومية الانقضاضية التي نجحت في شنّ حرب جوية دمّرت خلالها العديد من منصات القبة الحديدية وفي تنفيذ هجمات قوية ضدّ مواقع جنود العدو وتجمعاتهم.. مما حوّل المناطق الحدودية من شمال فلسطين بعمق بين عشرة إلى خمسة عشر كلم خالية من المستوطنين الذين نزحوا عن المستوطنات لفقدانهم الأمن.. فيما أرسلت المقاومة رسالة ردعية قوية لقيادة العدو وجمهوره تحذرهم من مخاطر شنّ حرب واسعة ضدّ لبنان، وذلك بنشر فيديو مصوّر أنجزته طائرة أو طائرات «الهدهد» المُسيّرة، والذي يُبيّن بدقة كلّ المواقع الحيوية العسكرية والاقتصادية والمدنية في مدينة حيفا ومينائها، والتي يوجد لدى المقاومة صوراً مماثلة لكلّ المدن في فلسطين المحتلة، بما يؤكد انّ لدى المقاومة بنكاً كبيراً من الأهداف الموضوعة على جدول الاستهداف بصواريخ المقاومة الدقيقة ومُسيّراتها الانقضاضية المتطوّرة التي لم تستخدمها بعد.. في حال أقدم العدو على شنّ حرب واسعة على لبنان…
ثالثاً، نجحت المقاومة في اليمن في فرض الحصار الاقتصادي على الكيان الصهيوني، من خلال منع السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من عبور مضيق باب المندب عبر البحر الأحمر وبحر العرب، وانتقلت إلى استهداف هذه السفن في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، والمحيط الهندي، ولم تتمكّن سفن الأسطول الحربي الأميركي التي قدِمت إلى المنطقة من فكّ هذا الحصار أو وقف هجمات المقاومة اليمنية التي استهدفت أيضاً السفن الحربية الأميركية والبريطانية التي اعتدت على الأراضي اليمنية.. هذا النجاح للمقاومة اليمنية في إسناد المقاومة في غزة، عكس تطوّر قدراتها، وإرادة تحررية قادرة على مواجهة عنجهية وغطرسة وجبروت القوة الأميركية، وإضعاف هيبتها في المنطقة، والتأكيد انّ اليمن المحاصر والذي يعاني من آثار حرب مدمّرة، قادر على أن يكون قوة ندية لأميركا عندما تتوافر مقاومة تملك قيادة تحررية جريئة وشجاعة..
رابعاً، برهنت المقاومة المسلحة العراقية بدورها القدرة على توجيه ضربات لكيان الاحتلال رغم بعد المسافة، وانها تملك الإرادة والاستعداد لخوض القتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وهي مستعدة لإرسال آلاف المقاتلين إلى جبهات المواجهة مع العدو اذا ما اندلعت حرب واسعة بين محور المقاومة وكيان العدو..
إنّ ما تقدّم يؤشر إلى أنّ قيادة محور قوى المقاومة في كلّ ساحاته، انتقلت من القول إلى الفعل في ترجمة وحدتها، وأثبتت انها جبهة موحدة متناغمة تخوض معركة إسناد غزة ومقاومتها، وهي مستعدة لخوض الحرب الواسعة اذا ما ذهب إليها كيان العدو في محاولة للهروب من مأزق فشله في غزة، وتحويل هذا الهروب إلى هزيمة مضاعفة تلحق بالكيان عبر نقل المعركة إلى الداخل الفلسطيني المحتلّ وجعل كلّ فلسطين المحتلة ساحة حرب، وصولاً إلى جاهزية واستعداد المقاومين في لبنان للعبور إلى الجليل الفلسطيني المحتلّ، عندما تطلب منهم قيادة المقاومة القيام بذلك.. وهو ما دفع الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك إلى تحذير حكومته من حصوله لعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على منعه.. في سياق سرده لأسباب عدم استعداد وجاهزية الجيش الإسرائيلي لشنّ الحرب ضدّ لبنان، منبّهاً من القدرات الكبيرة التي باتت تملكها المقاومة…