التموضع التركي نحو سورية أول الغيث؟
ناصر قنديل
– منذ النتائج المخيبة لآمال الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه في الانتخابات، والمعادلة التي يعمل عليها أردوغان هي ما قاله عقب الانتخابات، أن ما جرى رسالة تحذيرية لحزب العدالة والتنمية عن عدم رضا الجمهور يجب أن تقرأ وتفهم أسبابها ويعمل على معالجة هذه الأسباب. والحصيلة التي قالتها الانتخابات، هي أن ما فقده حزب العدالة والتنمية ذهب عملياً لحزب الرفاه الجديد، الذي نال تقريباً 7% من أصوات الناخبين الذين يشكلون تقليدياً بيئة مساندة لحزب العدالة والتنمية أغضبهم تخاذل حكومة أردوغان في نصرة غزة، والحزب الصاعد ينتمي للبيئة الثقافية والفكرية الإسلامية ذاتها لحزب أردوغان، لكن مع الدعوة لمواقف أكثر وضوحاً في الابتعاد عن كيان الاحتلال بما يتجاوز المواقف الكلامية، والتشبّه بما فعلته دول مثل كولومبيا وتشيلي وبوليفيا وجنوب أفريقيا والبرازيل.
– على ضفة موازية جاء الرد الإيراني الرادع لكيان الاحتلال بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ليقول إن أميركا التي خذلت تركيا والسعودية عندما واجهت كل منهما تحديات استراتيجية تحت سقف الالتزام بموجبات الحلف الذي تقوده أميركا بوجه روسيا وإيران وسورية والحلفاء في محور المقاومة، فتهرّبت من مساندة تركيا، وقامت بسحب بطاريات الباتريوت التي كانت في تركيا، بعد الصدام التركي الروسي في تشرين الأول من 2015، وهي أميركا التي قالت رداً على الطلب السعودي بالتدخل رداً على هجوم آرامكو الشهير في تشرين الثاني من عام 2019، إنها لا تريد التورط بحرب، هي أميركا ذاتها التي جنّدت كل قواعدها وحاملات طائراتها وبطاريات الباتريوت والثاد المنشورة في كل جغرافيا الدول الحليفة، لتوفير الحماية لكيان الاحتلال بوجه الردّ الإيراني، بصورة قال عنها الرئيس الأميركي إنها مثلت 99% من عملية الحماية وإنه لولاها لتمّ تدمير “إسرائيل”، لكن أميركا هذه هي ذاتها أيضاً التي منعت “إسرائيل” من الرد على إيران، وقرّرت وقف المنازلة عند مشهد يد إيرانية عليا في المنطقة، وقامت بإخلاء الساحة لإيران كقوة استراتيجية رادعة، تفادياً للمواجهة الكبرى التي لا تريدها، والتي قالت إيران إنّها مستعدة لها.
– مقابل ما يجري جنوب تركيا، تقع العلاقة التركية الأميركية في منطقة ضغط مرتفع مشابه شمالاً، حيث التفوق الروسي في الحرب الأوكرانية بات شديد الوضوح، وتركيا تخشى دفع ثمن مواقفها الرمادية التي أزعجت روسيا وتحمّلتها على مضض، في صفقة الحبوب والملاحة في البحر الأسود وسواهما، ورغم الضخ الأميركي للمزيد من المال والسلاح لا تبدو في الأفق فرص لتغيير المعادلة الروسية الأوكرانية، وتحت تأثير تداعيات هذه الحرب سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً، يُعاد تشكيل المشهد الأوروبي، حيث يشكل صعود اليمين وتهديد بقاء الحكومات الحالية في دول مثل فرنسا وألمانيا كموجة يصعب تفادي، وتجنب تأثيراتها.
– على خلفية هذه الصورة الشاملة ليس أمام تركيا أردوغان سوى المسارعة لترتيب أوراق العلاقة مع الثنائي الروسي الإيراني، ومثلها قد يكون الحال السعودي في التوجه أكثر نحو الصين وإيران، ومثلما تمثل سورية مفتاح التقدم في العلاقات التركية بروسيا وإيران، يمثل اليمن مفتاح التقدم السعودي في العلاقة مع إيران، وهكذا يبدو الرئيس التركي مندفعاً نحو قمة دول مجموعة شانغهاي التي سوف تنعقد الأسبوع المقبل في أستانا، للقاء الرئيس الروسي، والموضوع الأبرز هو العلاقة مع سورية. وهذا ما يفسر كلام وزير الدفاع التركي يشار غولر عن الاستعداد للانسحاب من سورية، وفق خطة تضمن حدوداً تركية آمنة. ثم كلام وزير الخارجية التركي حاقان فيدان، عن التطلع إلى تعاون سوري تركي يتقدم نحو حل سياسي في سورية ومواجهة مع الجماعات الارهابية، وخصوصاً حزب العمال الكردستاني الذي يقلق تركيا قيامه بتنظيم انتخابات في شمال شرق سورية في العاشر من الشهر المقبل، وكلام الرئيس التركي عن التطلع لحظرها من قبل الدولة السورية.
– ما نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية بعد استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للمبعوث الرئاسي الروسي الكسندر لافرنتييف أمس، يحمل الكثير من المعاني لحجم ما يجري بحثه على الطاولة، حيث قالت “أكد السيد الرئيس بشار الأسد انفتاح سورية على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى، مشدّداً على أن تلك المبادرات تعكس إرادة الدول المعنية بها لإحلال الاستقرار في سورية والمنطقة عموماً، ومن جهته أكد لافرنتييف دعم بلاده لكل المبادرات ذات الصلة بالعلاقة بين سورية وتركيا من كل الدول المهتمة بتصحيح تلك العلاقة مشدداً على أن الظروف حالياً تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات، وأن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، وأن الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سورية وتركيا”.