الشجاعة صبر ساعة…
} سعادة مصطفى أرشيد*
تتوالى المعارك في غزة جميعها دون استثناء وإن أخذت رفح الحصة الأكبر من النار والشهداء، ويتطاير اللحم الحي والدم مع غبار البيوت التي يهدمها جيش الاحتلال بآلاته التدميرية فائقة القوة، فيما تردّ المقاومة بقدرة عالية على الصمود وبالتفاف الحاضنة الشعبية من حولها، وتقاتل بجدارة بأساليب مبتكرة آخذة بعين الاعتبار تعويض فارق القوة والعدد والعتاد بأساليبها الجديدة الفعالة والتي تقتصد في الذخيرة وتشتبك حيث يجبُ الاشتباك، فيما يؤكد الإعلام العبري والعالمي أن عملية تجنيد الشباب وإقبالهم على الانخراط في المقاومة عالية وتسير على قدم وساق وكذلك تدريبهم لتعويض النقص الحاصل بسبب الإصابات والاستشهاد.
يدّعي (الإسرائيلي) أنه استطاع القضاء على 35-40% ثم 60% من كتائب المقاومة ثم يعود للادعاء أنه قضى على ما يفوق هذه النسبة، وبموجب ذلك الادعاء فإنه يذهب للقول إن معركة رفح التي سيحسمها قريباً ستكون آخر معارك الحرب والتي يمكنه الادعاء بعدها أنه حقّق النصر، وهو أمر تكذّبه حقائق الميدان التي تؤكد أن القتال لا زال جارياً وأن كتائب المقاومة ومناضليها ينتشرون في سائر أرجاء قطاع غزة المحتل من شماله حيث ادعى المرة تلو المرة أنه قد أنهى المقاومة فيه إلى أقصى جنوب القطاع.
يتناسى (الإسرائيلي) أن سيناريو الانتصار الوهميّ هذا لم يحقق أهداف الحرب الأربعة التي أعلنتها حكومته، وهي إطلاق سراح الأسرى الذين احتجزتهم المقاومة في السابع من تشرين الأول الماضي والقضاء التام والمبرم على المقاومة، أي سحقها، وإعادة تشكيل قطاع غزة بما يحول دون إمكانية وجود أي تهديد في المستقبل على سكان غلاف غزة من المستوطنين (الإسرائيليين)، والبقاء في المناطق غير الآهلة بالسكان للتدخل السريع، كلما تطلّب الأمر. أما ما يصدر على لسان القادة الكبار والاستراتيجيين في هيرسيليا كما حاضر كثير منهم منذ ثلاثة أيام في مؤسستها الشهيرة والتي تطلق على نفسها اسم منتدى تعزيز مناعة (إسرائيل)، ما يفيد ان المقاومة لا يمكن القضاء عليها فهي فكرة وأيديولوجيا وأن العمل يجب أن ينصبّ على تقليص دورها وقوتها لا سحقها وإيجاد بدائل لها وأن لا مانع لدى اولئك الاستراتيجيين أو لا بد ولا مناصة من مشاركة العناصر المعتدلة في حركة حماس في إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وأن لا مجال إلا للتفاوض أو البحث عن صيغ لإطلاق سراح الأسرى بعد الفشل في تحريرهم بالقوة وبعد كل هذه المدة.
كما تتوالى الأخبار عن التصعيد (الإسرائيلي) على كل من جبهة لبنان وجبهة الضفة الغربية ولعل اللجوء إلى القوة التدميرية وارتكاب المجازر في رفح يقصد به الاحتلال إرسال رسالة لهاتين الجبهتين بأنه قد تخلّى عن كل حذر أو اهتمام بالرأي العام العالمي أو بالقانون الدولي وبأنه يمارس الحرب بلا ضوابط.
في الشمال تورّط الاحتلال بإعطاء موعد انقضى قبل أيام لإعلان الحرب إن لم تنسحب المقاومة الى شمال نهر الليطاني. لم تنسحب المقاومة وإنما ردت على التهديد بالتهديد والنار بالنار والحرب بلا ضوابط بالحرب بلا ضوابط ولا سقوف. حاول الأميركي طيلة الشهور التسعة الماضية ضبط إيقاع الاشتباك مع لبنان بما لا يؤدي الى تطورها الى حرب شاملة وهي الآن تقف على حافة خطرة فأي خطأ في الحساب قد يؤدي الى فتح أبواب الجحيم.
في الضفة الغربية يعود وزير المالية (الإسرائيلي) لينشر من جديد عناصر خطته لمستقبل الضفة الغربية التي تكشف علناً عن ضمّ لمعظم الضفة الغربية كأرض وجغرافيا لا ديموغرافيا وسكان، وعن ضرورة التخلص من السلطة الفلسطينية، وإن كانت تعلن التزامها بأمن (إسرائيل) والتنسيق الأمني معها وتدين المقاومة بمناسبة وبلا مناسبة وتتهمها بالمغامرة وعدم مشروعية مشروعها المقاوم، لكن كل ذلك الابتذال لم يحمها من أن يرى (الإسرائيلي) أن دورها قد انتهى وهو رأي سيشارك (إسرائيلَ) به قريباً المواطنُ الفلسطيني الحزين الذي يرى أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على الدفاع عنه في مواجهة الاستيطان والمستوطنين والاجتياحات والاقتحامات والاغتيالات (الإسرائيلية)، وأنها غير قادرة على قيادة مشروع وطني وغير قادرة أيضاً على إعاشته بالمعنى الخدمي والريعي.
يذكرنا أسلوب الحكومة (الإسرائيلية) وإعلانها الانتصار في المعطيات الموجودة بسيناريو نيكسون – فيتنام عام 1972، إذ بينما كانت قوات الفيتكونغ تحقق الانتصارات وتوقع الخسائر والهزائم بالجيش الأميركي وقوات فيتنام الجنوبية المتحالفة معه، والتي تفر من أمامها الى ان حاصرت العاصمة سايغون، في غمرة ذلك قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بإعلان الانتصار وتحقيق أهداف الحرب والانسحاب الفوري من فيتنام تاركاً حلفاءه (عملاءه) ليلقوا مصيرهم المحتوم على أيدي الثوار، كما حصل مع عملاء (إسرائيل) من عصابات سعد حداد وانطوان لحد العام 2000.
الحرب لا زالت طويلة وبقدر ما فيها من مخاطر فإن فيها فرصاً تحتاج إلى مزيد من الصمود والاحتمال لمن يريد الانتصار في النهاية.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.