القبارصة العرب…!
} جمال محسن العفلق
تقف دون حراك لا تدرك كيف أتوا ومن أين هم القبارصة العرب الذين اندفعوا كالسيل الجارف عبر محطات التلفاز ومنصات التواصل بالمقالات والتصريحات، وهناك من شكل جمعية حماية قبرص من التهديدات! كلّ هذا في أقلّ من 24 ساعة فقط بعد إطلاق الأمين العام لحزب الله في لبنان تحذيره المهذب الذي نبّه فيه الحكومة القبرصية ودعاها كي لا تكون جزءاً من الحرب وألا تشارك في العدوان على لبنان.
فلماذا خرج كلّ هؤلاء بهذا الكمّ من الحمية والرجولة والكرامة للدفاع عن قبرص؟
سؤال قد يصل بنا البحث عن أجابته الى ما قبل الميلاد ويحتاج لمصادر تبدأ من الألواح المسمارية الى التاريخ الحديث ولن نجد الإجابة الشافية ولكن الواضح انّ الجميع كان ينتظر شيئاً يريد من خلاله إدانة المقاومة وتحميلها المسؤولية كاملة عما يحدث في المنطقة، وأنّ الغرف السوداء لم تجد شيئاً تشغل فيه الرأي العام وخصوصاً بعد عودة «الهدهد» من رحلته الموفقة بكلّ المقاييس من أرض فلسطين المحتلة حاملاً معه الخبر اليقين وكاسراً رغم حجمه الصغير قواعد القبة الحديدية وناقلاً الأخبار التي أزعجت الجميع بمن فيهم القبارصة العرب الذين حاولوا التشكيك بالرواية رغم انّ الكيان صاحب الشأن أعترف بها وأقرّ بالتفوق الذي حدث.
ويبقى السؤال أين كان القوم منذ السابع من أكتوبر لماذا لم يعلقوا على مجازر جعلت العالم الحرّ يتحرك والمظاهرات عمّت الدنيا ودول سحبت السفراء وجامعات رفضت الانصياع للصهيونية، ألم يكن الأجدر بهم قبل إطلاق هذا العويل والبكاء على قبرص التوقف قليلاً عند معنى التنبيه والتعمّق بأهدافه؟
ماذا لو خرجت طائرات حربية من قواعد عسكرية قبرصية وقصفت مطار بيروت حينها ماذا سيقول هؤلاء أم انهم سيجدون مبرّراً لذلك؟ هذه الأسئلة المشروعة تفرض إجابة واحدة وهي أنّ هؤلاء حلفاء للكيان وأعداء لوطنهم، ربما تكون هذه العبارة اتهاماً بالخيانة ولكن لم أجد تعبيراً واحداً بديلاً عنها، فالبعض يعتبر أنّ الاتحاد الأوروبي لا يجوز إغضابه أو حتى توجيه نقد إليه، فهو المنزه عن كلّ الأخطاء وبما أنّ قبرص لسبب ما عضو في ذلك الاتحاد فالمطلوب منا تقديم فروض الطاعة والرضى لها حتى لو أصبحت أراضيها قواعد عسكرية ينطلق العدوان منها على أراضينا.
اليوم المنطقة كلها على صفيح ساخن ولا نستطيع تجاهل ما يحدث في العالم، فأحادية القطب تنتهي والجميع مجبر على الاختيار بين المحاور المتصارعة عالمياً فنحن جزء من هذا العالم فما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة لا ينفصل عن الأحداث في بحر الصين والولايات المتحدة الأميركية أعلنت مشروعها ولن تتراجع عنه ونحن علينا اختيار طريقنا إما أن نبقى خاضعين ومتحمّلين لنتائج «وعد بلفور» وما نتج عنه، وصولاً الى اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم أو نوقف ذلك المشروع ونعيد للمنطقة دورها الاقتصادي والسياسي والجغرافي تاريخياً دون الخضوع لإملاءات واشنطن التي لم تكن بيوم من الأيام وسيط سلام بل هي خصم دائم يعمل من أجل إبقاء الكيان بحالة التفوّق الدائم على محيطة العربي.
وقد نختلف في ما بيننا بالسياسة ولكن لا يجوز لنا الاختلاف على الوطن فإذا أراد الذين يدافعون اليوم عن قبرص ويطلبون إرسال وفود لتعتذر للحكومة هناك، عليهم جميعاً التوقف عند تعريف ما معنى وطن حرّ وعيش كريم، وعلى هذا العالم إدراك أنّ جميع جبهات الإسناد اليوم ترى أنها معنية بل مجبرة على حماية الشعب الفلسطيني والتخفيف عنه لأنّ الكيان اليوم تقوده حكومة متطرفة لا ترضى بوجود الآخر على الأرض وكلّ ما تفعله هو أعمال إبادة منظمة ومدروسة الهدف منها تفريغ أرض فلسطين من سكانها الأصليين متحدّية بذلك كلّ القوانين والأعراف الدولية، وطبعاً هذا بدعم واضح وصريح من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى تلتزم الصمت أمام هذه الجرائم التي لم يسجل التاريخ الحديث مثلها.
لقد تجاوز القبارصة العرب كلّ حدود المعقول بهذا الهجوم المنظم على تنبيه المقاومة رغم أنّ الرئيس القبرصي لم يكن بنفس الانفعال وأكد أنّ بلاده لن تكون طرفاً بالنزاع إنما ساعيه لإحلال السلام ودعم المبادرات التي ترضي جميع الأطراف.
وأخيراً علينا أن ندرك جميعاً أنّ هذه الحرب لا تعني فريقاً دون آخر، وانّ الكيان الصهيوني لم يقم على السلام ولا يمكنه العيش بدون حروب لأنه صمّم على مبدأ الإبادة وحرق كلّ ما حوله وتجربة السلام بين مصر والكيان تثبت أنّ هذا الكيان لا يؤمن بالعيش المشترك ولا يقبل نداً له في المنطقة وهذه ليست تهماً من الخيال إنما هم يصرحون بذلك ويتفاخرون به فلماذا علينا القبول ان نكون بشراً من الدرجة الثانية…؟