أولى

مَنْ سيتقدّم على الآخر: دبلوماسية واشنطن أم جنون مجرم الحرب؟!

‭}‬ د. عدنان منصور*
تعدّدت الإشارات والتصريحات التي صدرت في تل أبيب وواشنطن حول تخفيض التصعيد العسكري، وآخرها كلام وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت الذي رأى في المساعي الدبلوماسية والضغط على حزب الله أنه يمكن لها تخفيض التصعيد العسكري، بعد ان كان غالانت يطلق التصريحات النارية، والتهديد والوعيد ضدّ لبنان.
مما لا شك فيه، أنّ «إسرائيل» لا تبحث في العمق، عن حلّ سياسي او دبلوماسي ترضى به، إلا اذا كان هذا الحلّ يصبّ في صالح هدفها الاستراتيجي، وهو القضاء نهائياً على المقاومة في غزة، ومم ثم إعادة السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها.
قبول «إسرائيل» بحلّ دبلوماسي عادل، لا يحقق لها هدفها في غزة، أو في جنوب لبنان، وهي التي تشدّد وتصرّ على تغيير وجه غزة، وإبعاد المقاومة في لبنان إلى شمال الليطاني.
إنّ أيّ فشل لـ «إسرائيل» في تحقيق هذين الهدفين، يعني حكماً هزيمة عسكرية مدوية للجيش الإسرائيلي في الميدان، وهزيمة سياسية ومعنوية لنتنياهو وللقادة العسكريين، والأحزاب السياسية في تل أبيب، لم يشهد العدو مثيلاً لها منذ تأسيس كيانه، حيث ستترك هذه الهزيمة آثاراً وتداعيات معنوية ونفسية سلبية على نفوس الإسرائيليين لا سيما المستوطنين القاطنين في الشمال وفي غلاف قطاع غزة، وتقوّض ثقتهم بدولتهم واستمراريتها.
نتنياهو كما واشنطن يريدان فك الارتباط بين جبهة غزة وجبهة لبنان، حتى يُتاح للجيش «الإسرائيلي» تصعيد حربه على القطاع، وحسمها بأسرع وقت قبل نهاية الصيف، ومن ثم فرض الأمر الواقع «الإسرائيلي» عليها.
إذا كانت الولايات المتحدة ظاهرياً لا ترغب بتوسيع نطاق العمليات العسكرية الدائرة حالياً في جنوب لبنان، بعد اندفاع صقور الحرب في تل أبيب ومطالبتهم بشنّ حرب حاسمة واسعة النطاق على لبنان، فهي تريد بذل جهودها لإفساح المجال أمام الدبلوماسية، علها تحمل حزب الله على وقف عملياته العسكرية، وفكّ ارتباطه مع المقاومة في غزة.
دبلوماسية واشنطن تتعارض بالمطلق مع هدف المقاومة في لبنان، التي ربطت منذ بداية الحرب وقف عملياتها العسكرية، بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة. هذا الواقع يجعل منسوب التفاؤل في الحلّ الدبلوماسي منخفضاً جداً، ولا يعبّر عن حقيقة مجريات الأمور وواقع الحال. لأنّ وقف إطلاق نار دائم في غزة غير وارد بتاتاً بالنسبة لنتنياهو قبل إكمال الجيش «الإسرائيلي» مهمّته في كامل القطاع.
موقف نتنياهو يحظى بتفهّم ورعاية واشنطن الكاملة والمسبقة ودعمها وموافقتها. لأنّ واشنطن قبل تل أبيب تريد إنهاء حالة المقاومات في المنطقة، ليخلو لها الجو في ما بعد للسير مجدّداً بمشروع «صفقة القرن»، وأنّ وقف إطلاق نار دائم في غزة من قبل «إسرائيل»، دون تحقيق الهدف في القضاء على حماس، وإبعاد المقاومة من جنوب لبنان الى شمال الليطاني، يعني هزيمة «إسرائيل» العسكرية والمعنوية في الميدان الفلسطيني
واللبناني، وفشلاً للمشروع الأميركي.
وزير الحرب غالانت وإنْ تحدث في الشكل مع نظيره الأميركي لويد أوستن في اجتماعهما الأخير في واشنطن، عن حلّ دبلوماسي يهدف الى إبعاد المقاومة من جنوب لبنان، إلا أنه لم يخفِ نياته العدوانية عندما قال: «نحن جاهزون لأيّ سيناريو في مواجهة حزب الله، ونحن مصمّمون على تغيير الواقع في جبهة الشمال»!.
إذا كانت الولايات المتحدة تسعى الى حلّ دبلوماسي، لكن هذا الحلّ مرهون أولاً بموافقة «إسرائيل»، الذي تريده أن يكون بالكامل في صالحها. لذلك ستتقدّم فرص الحرب على الجهود الدبلوماسية، لأنّ نتنياهو غير مستعدّ للتراجع عن مطالبه، التي لا تعارضها أصلاً واشنطن لا في الشكل ولا في الأساس، لأنّ استهداف المقاومات في المنطقة، هدف رئيس لكلّ من الولايات المتحدة و»إسرائيل».
من هنا تتعارض مشاريع الحلول الدبلوماسية الهشة مع النيات والأهداف الحقيقيّة لواشنطن و»إسرائيل» حيال غزة ولبنان، والتي يعكسها تعنّت نتنياهو وقادته العسكريين المتطرفين.
إذا كانت الولايات المتحدة ظاهرياً، تعرب عن عدم رغبتها في توسيع نطاق العمليات العسكرية الدائرة حالياً على الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة، إلا أنّ نتنياهو والزمرة العسكرية المتطرفة معه، يصرّون على الذهاب بعيداً في سياساتهم، مما يؤشر إلى احتمال توسيع نطاق العمليات الحربية، وهذا احتمال كبير جداً وغير مستبعد، إنْ لم نقل حتمياً. ومع توسيع نطاق الحرب، فإنّ واشنطن في هذه الحال، لن تقف موقف المتفرّج، مكتوفة الأيدي، تلتزم الحياد تجاه مغامرة مجرم الحرب، بل سنراها تقف الى جانب «إسرائيل» بكلّ قوة وعزم، لتوفر لها كلّ الإمكانات ووسائل الدعم العسكري، والمالي، واللوجيستي، والسياسي، والإعلامي .
عندما يقوم نتنياهو بتوسيع نطاق الحرب، سنرى واشنطن تسرع على الفور للوقوف الى جانب «إسرائيل»، وتتخلى عن مبادرتها «الدبلوماسية» لتسقطها في أحضان «إسرائيل». ألم يصرح مؤخراً وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ليؤكد على التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل»؟! فأيّ دبلوماسية هي الدبلوماسية التي تمارسها واشنطن بعد ذلك حيال الوضع المتفجر في المنطقة؟!
نتنياهو المحرج، يريد ان يُحرج الولايات المتحدة ومن معها، ويضعها أمام الأمر الواقع، بقرار متهوّر يتخذه لتصعيد الحرب على غزة ولبنان، لأنه يرى في تصعيدها مخرجاً له، يحقق من خلاله «نصراً»، يحصّن في ما بعد موقعه المتداعي، ليطلّ بعدها على الإسرائيليين – مؤيدين ومعارضين له – ليقول لهم، ها قد حققت لكم ما كنتم تحلمون به!
فك الارتباط بين المقاومتين في غزة ولبنان غير وارد، لأنّ وقف إطلاق النار في الجنوب، يعني إطلاق العنان للجيش «الإسرائيلي» للاندفاع بكلّ قوة لتسوية غزة بالأرض، والقضاء على الحياة فيها وإنْ كلف «إسرائيل» الثمن الباهظ، إذ لم يعد مجرم الحرب يكترث لقتلاه أو يعنيه أسراه، أو المجتمع الدولي، ولا اعتبار لحلفائه، وبالذات الولايات المتحدة التي تبارك وتدعم ضمناً العدوان «الاسرائيلي» المتواصل، وكلّ ما تقوم به «إسرائيل»
في القطاع، وفي لبنان من جرائم همجية.
فمن سيتقدّم في الميدان في الأسابيع المقبلة او بالأحرى في الأيام المقبلة: «دبلوماسية» واشنطن المؤيدة والحليفة على الدوام لـ «إسرائيل» في كلّ صغيرة وكبيرة، أم اندفاع نتنياهو وصقوره لتصعيد الحرب على الجبهتين؟!
بالنسبة لنتنياهو، لا مشكلة مع الولايات المتحدة أكان ذلك في زمن الدبلوماسية أو في زمن الحرب. ففي الدبلوماسية والحرب، تبقى واشنطن لـ «إسرائيل» الداعم، والحاضن والراعي الوفي دون حدود، وهذا ما يجعل نتنياهو يندفع بعنجهيّته إلى خيار توسيع نطاق الحرب، بعدما أدرك أنّ «دبلوماسية» واشنطن الداعمة له، لن تعطي أكُلها لدى المقاومة، ولن تجعلها تلبّي أهدافه، ما جعل وزير الحرب غالانت يقول متبجّحاً: «نحن مصمّمون على تغيير الواقع في الجبهة الشمالية»، دون أن يدرك ما ينتظر «إسرائيل» وجيشها الإرهابي من مقاومة لا بدّ منها!
«طوفان الأقصى» أدّى الى تخلخل جذور الدولة «الإسرائيلية» الذي يسرع في يباسها، وهذا ليس ببعيد.
فانتظروا تداعياتها ونتائجها بعد انتهاء الحرب…!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى