آخر الكلام
أنا حزين حتى الموت
} الياس عشي
لم أرَ العالم العربي صغيراً كما رأيته نهار الأربعاء الواقع فيه 4 أيار 1994؛ ففي هذا اليوم وقّع ياسر عرفات اتفاقاً يقضي بإقامة «دويلة»فلسطينية هي بحجم علبة الكبريت.
تُرى لو أراد عرفات أن يعطيَ لكلّ شهيد من شهداء هذه الأمّة الذين ماتوا من أجل فلسطين، أن يعطيهم مرقداً، فهل تكفيهم مِساحة غزّةَ وأريحا؟
وأولئك الأطفال الذين حملوا الحجارة، وبشّروا بالحريّة، وماتوا من أجل فلسطين… تُرى ما رأيهم وهم يرَون بلدهم يموت خلجةً إثرَ خلجةٍ… وأنّ حرب 1948 بدأت خيانةً وانتهت في خيانة؟
لا أصدّق أبداً أنّ دولة عنصرية كـ «إسرائيل»يمكن أن تعطي شيئاً أخذته إلّا إذا كان ثمّة شيءٌ تخطّط له مقابل هذاالعطاء… وهذا الشيء موجود:
نقل الرموز الفلسطينية إلى معتقل غزّةَ – أريحا .
دفع الفلسطينيين للتقاتل في ما بينهم .
تكريس شرذمة العالم العربي الذي هو مشرذم في الأصل.
الانفراد بسورية التي تعتبر «بيضة القبان»في كلّ ما جرى، وما يجري، وما يمكن أن يجري.
الآن ندرك تماماً لماذا قامت حرب الخليج، وندرك أكثر مدى الفجيعة في «عراق»قاده زعماؤه إلى مجازر ندفع ثمنها اليوم، وندرك جيداً أنّ أنور السادات الذي باع الأهداف النبيلة في حرب 1973، وبمباركة أميركية – إسرائيلية، أسّس لاتفاق 4 أيّار 1994.
وندرك أننا محاصرون بالخيبة، والهزيمة، والمرارة، والإحباط؛ فلقد غامرنا بأحلى سنوات العمر لتبقى فلسطين عربية… بعنا كلمات الحبّ والغزل، وأوْجدنا لفلسطين قاموساً لم يخطر ببال أحد… كلّ الأدباء والشعراء رهنوا كلماتهم، وراهنوا على كلماتهم، من أجل فلسطين!
وفجأة… فلسطين علبة كبريت، مِساحتها لا تكفي لإقامة سُورٍ واحدٍ نخلّد فيه ذكرى شهدائنا؛
صدقوني… أنا حزين حتى الموت.
من كتاب «وطن للبيع… فمن يشتري»الصادر سنة 1994