الانفتاح وتقبّل الآخر…
} حورية محمود ناصر
تُثار قضية «تقبّل الآخر المختلف» عادةً من زوايا إنسانية أو أخلاقية، واليوم أحب أن أناقش هذه القضية من زاويتي المفضلة: «الذكاء».
كيف تعرف أنّ الذي أمامك يتسم بمهارات إدراكية بدائية؟
يتميّز كلّ إنسان (بشكل فردي) بخمس سمات نفسية أساسية، منها «الانفتاح»Openness ، والانفتاح هو سمةٌ ملازمةٌ للأشخاص المبدعين، فلا يمكن ان تجد شخصاً حكيماً إلا ولديه قدر عال من الانفتاح. فما هو الانفتاح؟
الانفتاح ليس بالضرورة بارتداء ملابس غريبة أو تذوّق طعام أجنبي، كما يعتقد البعض. بل هو القدرة على تقبّل الاختلاف والتجارب الجديدة والمختلفة بشكل عام، دون الحاجة إلى اعتناقها شخصياً.
من هنا ننطلق إلى النقطة الثانية وهي القدرة على فهم وتقبّل الأمور من منظورات مختلفة. لطالما كان الإنسان الذكي والمبدع قادراً على ابتكار طرق جديدة ومختلفة. ان غياب الانفتاح يُسقِط صفة التحلي بدرجات عالية من الذكاء بشكل حتمي. الانفتاح ليس المكوّن الوحيد للذكاء ولكنه شرط أساسي من شروطه.
أعلى مستوى في تصنيف بلوم هو الإبداع، والإبداع يتطلب الانفتاح، والانفتاح يدور حول القدرة على تحمّل الاختلافات، وإلا لما كانت هناك اختراعات ولا نظريات جديدة، ولكنا سنكتفي بما لدينا بالفعل ولن نشهد ايّ تطور.
لا أعلم لماذا لا يتحدث أحد عادة عن الأمر من هذا المنظور. لذلك، فإنّ الشخص الذي لا يرى إلا ما هو موجود بداخله يحتاج إلى التعليم ويحتاج إلى تطوير مهاراته الإدراكية.
إذن… يجب أن يتمّ تسليط الضوء على أنّ عدم القدرة على تقبّل الاختلافات وتدني مستوى الانفتاح يدلّ على الجهل وضعف في الإدراك.
أما بالنسبة للزوايا الأخرى كالتعاطف والأخلاقيات فالموضوع ليس ببعيد، لأنّ التعاطف هو من أعلى درجات التطور والسمو العقلي والفكري. فالتعاطف والقدرة على احتضان الاختلاف هو أيضاً دليل على الوعي والحكمة، فكلما نهض الإنسان بفكره كلما تحكم الوعي في سلوكياته وكلما ابتعد عن غرائزه، وهو أمر مقرون أيضاً بالأخلاقيات.
التعاطف والأخلاقيات إذن مرتبطان بالوعي والذكاء العاطفي والاجتماعي لأنهما لا يقتصران فقط على إدارة المرء لمشاعره بل هما قائمان أيضاً على الفهم العميق لمشاعر الآخرين، أيّ النظر الى الناس من منظوراتهم المختلفة أيضاً وليس فقط من المنظور الذاتي الخاص.
إذن… فالعلاقة بين الذكاء، التعاطف، وتقبّل الآخر هي علاقة وثيقة!
من أوجه الاختلاف المنتشرة التنوّع الديني والثقافي الذي يتمثل بتقبّل الاختلاف في احترام وتقدير العادات والثقافات المختلفة، من خلال التعرّف على عاداتها وتقاليدها وفنونها، دون إصدار أحكام مسبقة أو محاولة فرض ثقافة معينة على الآخرين.
من الوعي والحكمة الاستفادة من الاختلاف والنظر اليه كجسور يتمّ وصلها لعبور مسافات إنسانية تتقدّم بنا نحو التطور، الاختلاف هو وسيلة مهمة للتعاون والتطور وإيجاد حلول للتحديات.
ولكن يبقى السؤال: ولكن هل هناك خطط أكبر من الوعي الذاتي تشجع على عدم تقبّل الآخر والاختلاف وتوحيد المسافات لغايات في نفس يعقوب…؟