كيف ندرأ الفتنة في لبنان؟
المحامي د. إبراهيم العرب
لا أدري لماذا يغتاظ البعض من التقارب الشيعي -السني في الآونة الأخيرة، أو كما سمّاه البعض غطاء أهل السنة والجماعة لسلاح المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله)، أوَلم يكن هنالك منذ فترة وجيزة غطاء مسيحي للمقاومة، لا بل نحن نعتقد بأنه لا يزال قائماً وإنْ بنسب متفاوتة.
في المقابل، لماذا يُنكر مروّجو الفتنة الشيعية – السنية، أنّ إيران وحزب الله شكلا معاً غطاء لأهل السنة في فلسطين، لا سيما أنّ حركة حماس سنية، والعديد من عناصرها في لبنان في احتضان الشيعة، وبالأخصّ الشيعة الإمامية، خصوصاً في ظلّ وجود تقارب إيراني – تركي حول وجوب إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية.
ولماذا يحاول البعض تصوير أنّ هنالك مظلومية شيعية من قبل السنة قبل فترة الإمام موسى الصدر؟ في حين أنّ القاصي والداني يعلم بأنّ رئيس الجمهورية اللبنانية الماروني قبل اتفاق الطائف كان يمتلك صلاحيات تتجاوز صلاحيات الملوك حَسَبَ تصنيف فقهاء القانون الدستوري، في حين كان رئيس الوزراء السني لديه أشبه بباش كاتب، ولم يكن بالتالي هنالك كما يحاول أن يصوّر البعض، سطوة لدار الفتوى السنية كما سمّوها، على شؤون الشيعة، وإنما لحمة إسلامية، لأنّ المسلمين وقتها كانوا يخجلون من سؤال بعضهم البعض أأنت سني أم شيعي، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية السنية.
ومن ثم ما هذه المغالطات التي نسمعها بأنّ الإمام الصدر تحالف سرياً مع ياسر عرفات لإنشاء أممية شيعية، فهل كان حليف الصدر، عرفات شيعياً أم سنياً غزاوياً؟ وعليه، هل كان سبب التحالف هو إنشاء كيان شيعي، أم كيان مقاوم في وجه العدو الصهيوني؟
ومن ثم إنْ كان حزب الله كحزب إسلامي قد صرّح سابقاً بأن لديه حُلماً بأن يكون لبنان جمهورية إسلامية كما تقولون، فهل هذا يعني أنه في ظلّ عدم امتلاكه الأغلبية الشعبية المؤيدة لذلك ديمقراطياً، فإنه يشكل خطراً على الكيان اللبناني وعلى حقّ المسيحيين برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش؟ فكم مرّة أعلنت فيها أحزاب مسيحية عن نيتها بإقامة دولة مسيحية في لبنان، فهل كان معناها محاولة لسلب حقوق المسلمين مناصبهم، أم مجرد إيمان بتعاليم دين سماوي وحلم بتحقيقه ديمقراطياً على أرض الواقع؟ وعموماً، فمن حق كلّ حزب إسلامي أم مسيحي أم علماني، أن يتمتع برؤية مستقبلية لوطنه، كما يشاء ويرغب، ومن ثم التفاهم والتحاور بين الأحزاب وتحقيق الأغلبيات والائتلافات الديمقراطية هو الذي يحدّد نظام البلد السياسي، لا النوايا والأحلام.
أما القول بأنّ سورية ورفيق الحريري أبقيا حزب الله كميليشيا مسلحة، فهذا خطأ أيضاً، لأنّ حزب الله ليس ميليشيا كما يراها البعض، أهو يسطو على البيوت والمنازل ليسرقها ويسلب أموال البنوك والمصارف ويروّج للمنكرات والفواحش؟ أم على العكس، يقاوم من احتلّ أرضه ويسعى لتقرير مصيره بنفسه، وهذا بالمناسبة حقّ له بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدَّوْليّ.
أما عن الدعوة لتحويل لبنان إلى فيدرالية لمواجهة شيعة الولي الفقيه كما يسمّونهم، فهذا غلوّ وشيطنة لحزب حرّر جَنُوب بلاده، ويقاتل حالياً على جبهتي الجَنُوب والبقاع ليؤازر سنة ومسيحيّي فلسطين، كما أنّ دعوات الفيدرالية لن تتحقق بكلّ تأكيد، لأنّ مطلقيها لا يمتلكون الأغلبية التي ينصّ عليها الدستور اللبناني لتعديل نظامه السياسي، واعتبار كثيرين أنّ الغاية الحقيقية من الفيدرالية طلب الانفصال وتفتيت دولتنا الصغيرة مستقبلاً، وهذا ما لا ترضاه شريحة من المسيحيين وأغلبية المسلمين بكافة مذاهبهم.
إنّ اللوم والسخط الحقيقي يجب أن يوجه للمسبّب وليس للنتيجة، أيّ للمستعمرين الفرنسي والبريطاني، اللذين قسما كلّ الشرق الأوسط، وبالأخص بلاد الشام التي كانت مكونة من سورية ولبنان والأردن وفلسطين، ومن ثم سلّما فلسطين لعصابات الصهاينة اليهود الذين يبيدوننا جماعياً منذ 1948 وحتى الآن.
أيّ باختصار، إنّ معاناتنا الحقيقية اليوم سببها وجود دولة العصابات الصهيونية على حدودنا، لا المنظمات الفلسطينية والحركات الإسلامية التي تقاومها، فلولاها لما احتجنا السلاح ولا اعتماد نهج المقاومة اللبنانية ولا الفلسطينية.
وعليه، أنصحكم أحبائي بأن تكرهوا المجرمين الصهاينة، لا المستضعفين والضحايا، وأن تسعوا لتطبيق تعاليم الأديان السماوية لجهة نصرة المستضعفين في مختلف بقاع الأرض، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، هكذا كان سيدنا المسيح، ابن فلسطين ليفعل، وما كان ليتخلّى عن كنيسة القيامة ودرب آلام المسيح والمسجد الأقصى لحفنة من الصهاينة، حكموا العالم فتحكموا برقاب العباد والبلاد، وفرّقوا شملنا ووحدتنا، وأثاروا خَشْيَة بعضنا من القتال وتكبّد دفع الأثمان الباهظة في سبيل انعتاقه من نيران العبودية وكسره الأغلال والسلاسل التي تكبله، ولكن صدقوني أعزائي إن طريق الحرية أجمل بكثير من طريق الانبطاح والخنوع والرضوخ للعدو، الذي لن يتوانى عن ذلنا وإهانتنا واستعبادنا، وهذا ما استنتجه البعض في الحقبات اللبنانية السابقة عندما اعتقد فعلاً أنّ الصهاينة يسعون للسلام، فيما تبيّن له لاحقاً أنهم لا يسعون إلا لتركيع الآخرين واستعبادهم بعد استسلامهم لهم.
لذلك، عوضاً عن التناحر والتشاحن والتقاتل بين بعضنا البعض، لنلتفّ معاً، مسلمين ومسيحيين، حول تكريس نهج المقاومة وتوحيد البندقية باتجاه العدو الحقيقي، العدو الإسرائيلي، الذي لا إرهاب إلا إرهابه، ولا إجرام يطغى على إجرامه، هكذا رأينا مؤخراً، وهكذا أجمع العالم كلّه، بهيئاته وجمعياته ومجالسه ولجانه ومحاكمه الدولية، ولتكن هذه دعوة مصالحة ومحبة وإصلاح بين اللبنانيين، في زمن صعب يمرّ جنوبنا وبقاعنا فيه، ما يجعلنا بأمسّ الحاجة للحفاظ على التعايش والتضامن بيننا، لا بل على الانصهار الوطني.