أولى

جبهة الإسناد من لبنان: استبعاد الحرب الواسعة بعد فشل الحرب النفسيّة.. فما البدائل؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*‬‬

عندما فشلت «إسرائيل» في الميدان في جنوب لبنان وعجزت عن إقفال الجبهة التي افتتحها حزب الله من أجل إسناد قطاع غزة والمقاومة التي تدافع عنه، عندما فشلت في إقفال تلك الجبهة تحوّلت الى التهديد بالحرب الشاملة التي تحسم المواجهة وتقفل الجبهة وفق للشروط الإسرائيلية، وانخرطت في حملة التهديد بهذه الحرب للضغط على المقاومة، قوى لبنانية وإقليمية ودولية، تفنّنت في تسويق التهديد بالعبارة المباشرة أو غير المباشرة أو بتوجيه يعمّم على رعايا تلك الدول لدفعهم الى مغادرة لبنان أو التظاهر بالحرص على مصالح لبنان والقيام بوساطة بينه وبين «إسرائيل» لاعتماد حلّ سياسي يقفل الباب أمام الحرب.
كانت تتوخى «إسرائيل» من حرب التهديد تلك شنّ حرب نفسية للضغط على المقاومة وحملها على وقف حرب الإسناد التي تخوضها على الجبهة الشمالية، تلك الحرب التي أوْجعت «إسرائيل» في جيشها ومجتمعها واقتصادها ودورة الحياة في شمال فلسطين المحتلة، حيث وصلت خسائر «إسرائيل» على حدّ اعترافها الرسمي الى 150 قتيلاً و 4000 جريح جلّهم من العسكريين، كما نشر الإعلام الإسرائيلي أرقاماً كبيرة حول الخسائر الاقتصادية واضطراب دورة الحياة في الشمال، أما سكان المستوطنات فقد هجروا مغتصباتهم وألقوا بثقلهم على إدارة الكيان التي ألزمت بتأمين إيواء ومعيشة أكثر من 230 ألف نازح من الشمال الفلسطينيّ المحتل.
بيد أنّ المقاومة سفّهت الأحلام والظنون الإسرائيلية وتعاملت مع الموقف تحت عنوانين… الأول فيه التأكيد على أنّ الحرب مستمرة على جبهة الجنوب مع فلسطين المحتلة طالما انّ العدو مستمرّ في إطلاق النار في غزة، والثاني الردّ على التهديد «الإسرائيلي» بالحرب بتهديد من طبيعة أخرى عبر إشعار «إسرائيل» بامتلاك المقاومة من القدرات العسكرية ما يجعل أيّ حرب تشنّها على لبنان نوعاً من الانتحار الجماعيّ، على حدّ وصفها من قبل أحد كبار الجنرالات السابقين في جيش العدو، وفي هذا السياق كان الإفصاح عن بعض ما لدى المقاومة من معطيات ومواد استخبارية قابلة الى التحويل إلى بنك أهداف مثلث السقوف بين أهداف استراتيجية بالغة الخطورة والمفاعيل إلى أهداف استراتيجية هامة الى أهداف تكتيّة ذات بعد استراتيجي هذا فضلاً عن الفئة الأخرى من بنك الأهداف التكتيّة.
هذا في الفعل والفعل المضاد في إطار الحرب النفسيّة، أما من حيث إمكانية ذهاب «إسرائيل» للحرب فهنا كلام آخر، حيث إننا نتوقف عند الأسئلة التقليدية التي تتوقف الإجابة عليها مسألة القرار بالحرب، والسؤال الأول يدور حول مدى امتلاك «إسرائيل» للقدرات التي تحقق بها الأهداف والإنجازات المطلوبة والثاني مدى قدرتها على تحمّل ردّ فعل الخصم وحماية الجبهة الداخلية، والثالث مدى قدرتها على الحسم ووقف النار بتوقيتها هي.
وإذا عرضنا لما في واقع «إسرائيل» الآن نجدها تهدّد بالحرب دون أن تحدّد هدفاً حقيقياً لها، وهذا ما أثار سخرية بعض جنرالاتها السابقين الذين عابوا عليها أنها تذهب الى حرب لم تحدّد أهدافها أو أعلنت لها أهدافاً غير ممكنة التحقق، وانّ هذه الحرب لن تنتج أكثر من القتل والتدمير، ثم تعود «إسرائيل» صاغرة الى اتفاق لا بدّ منه وتعود الى ما كانت عليه قبل الحرب. أما القدرات بالنسبة للأهداف المحتملة فإننا نجد الجيش الإسرائيلي وبعد عمل مضنٍ في الميدان لمدة 9 أشهر، نجده منهكاً مرهقاً غير قادر على الاندفاع لاحتلال واسع أو ضيّق أو لوضع اليد على المقاومة ثم انّ المعنيين يذكرون أنه كان في لبنان وطرد في العام 2000 وحاول العودة وفشل في العام 2006، فأيّ أحمق يكرّر شيئاً ثبت عقمه أولاً ثم أنّ المقاومة تملك من القدرات أضعاف ما يتطلبه الموقف لإنزال الهزيمة بالمعتدي إذا حاول شنّ الحرب الواسعة، حيث سيواجه بحرب بلا سقوف ولا قيود ولا ضوابط لن يقوى على احتمالها.
أما عن حماية الجبهة الداخلية التي رفعت «إسرائيل» عنواناً لها «شعب يعمل تحت النار وهو آمن»، فقد أثبت الميدان زيف هذا الشعار، وعجزت «إسرائيل» عن حماية داخلها و»الدفاع عن نفسها بنفسها» وكل الخبراء من صهاينة وسواهم توقعوا حرباً مدمرة تعدم الحياة في معظم أرجاء الكيان الذي لن يقوى على احتمالها.
وأخيراً عن القدرة على الحسم فإننا بكل بساطة نقول إنّ من عجز عن الحسم في العام 2006 ثم أمام قطاع غزة المحاصر… سيكون أشدّ عجزاً أمام المقاومة في الجنوب اللبناني في العام ٢٠٢٤.
مما تقدّم نستنتج موضوعياً أن المنطق العسكري يفرض استبعاد الحرب لانّ المقاومة لن تبادر إليها، وأنّ عدواً هذا واقعه ليس جاهزاً لشنّها وإن كان يرغب بها. ويضاف الى ذلك الرفض او عدم الموافقة الأميركيّة على هذه الحرب، وهو رفض سبّبه عجز «إسرائيل» عن الانتصار فيها وخشيتها من التورّط فيها وخوفها من تدحرجها الى حرب إقليمية تلتهم مصالحها في حقبة من الزمن خاصة وانّ العلاقات الدولية بالغة الدقة والخطورة، خاصة أنّ أميركا تراقب تحفز الصين وروسيا للاستفادة من هذه الحرب إذا نشبت، وبكلمة أخيرة ومع استبعادنا للحرب الواسعة انطلاقاً من جنوب لبنان، لكننا نبقي هامش الاحتياط للجنون الإسرائيلي وسعيهم للانتحار قائماً، حيث إنّ هذا الهامش يبقي خطر الحرب قائماً مع تدنٍّ كبير جداً في درجة احتماله..
ونصل الى السؤال الآخر وفيه: إذا استبعدت الحرب كيف يكون مستقبل الجبهة مع لبنان، وهنا نرى أن تسير الأمور وفق أحد المسارات الثلاثة: الاول أن يتمّ التوصل الى وقف إطلاق النار في غزة وفقاً لقرار مجلس الأمن ومقترح بايدن مع تفسير وفقاً لموقف حماس باسم المقاومة الفلسطينية، مع وقف النار هذا سيتوقف إطلاق النار في الجنوب لكون الجبهة في طبيعتها جبهة إسناد وإذا لم تتقيّد «إسرائيل» بذلك فإنّ طبيعة الجبهة تتغيّر وتنقلب إلى جبهة دفاع رئيسية.. والثاني يتمثل بإطلاق «إسرائيل» ما تسمّيه «المرحلة الثالثة» في غزة وفيها استمرار الحصار والتركيز على بنك أهداف منتقى في القطاع ودوام مشاغلته لابتزاز المقاومة والشعب في غزة بلقمة الخبز حتى ترضخ المقاومة. هنا ستبقى الجبهة مفتوحة مع تشدّد في أعمال الضوابط الأربعة دون تصعيد إضافي، أما الأخير فيكون ببقاء الوضع على حاله في كلّ من غزة ولبنان الى فترة غير طويلة لا تتعدى الأشهر يعقبها العمل بالحلّ الأول أعلاه…

*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى