مقالات وآراء

نحو عالم جديد…

‭}‬ مأمون ملاعب
ألهَبت الحرب في فلسطين نيران قضايا، على مستوى العالم، كانت هامدة وحلّ نقاش حادّ وتحوّل اللون إلى رمادي بعد أن كان أسود داكناً. منذ أواخر القرن التاسع عشر مهّدت اليهودية للسيطرة على مراكز القرار في العالم ثم كان لها ذلك من خلال الحربين العالميتين.
اليهودية كانت المنتصر الأساسي في كلّ منها. خلال الحرب العالمية الأولى وضع مخطط تدمير شعب كامل عبر تدمير تاريخه وثقافته وتقاليده وشخصيته وهويته وجغرافيته وبكلّ ما في الكلمة من معنى في كلّ مفردة. ومن ثم تهجيره وتشتيته وإبادته إن أمكن (أقصد كلّ الشعب السوري وليس الفلسطيني فقط) وبدأ التنفيذ بالتقسيم، جغرافياً وسياسياً والتشتيت وطمس الهوية طائفياً ومذهبياً وكيانياً واتنياً… ومن ثم صناعة تاريخ وهمي وثقافه مشوّهة.
حصل اليهود خلال الحرب الأولى على وعد بلفور وتمّ التنفيذ من خلال هجرة غريبة شاذة معاكسة الطبيعة والإنسانية محمية بالقوة والنفوذ الاستعماري المتهوّد. وفي الحرب العالمية الثانية صُنعت قضية من خلال أكذوبة جعلت تاريخاً مزوّراً يقبله العالم أجمع يدّعي أن أكبر محنة في التاريخ حلّت على اليهود، وأنّ النازية، المهزومة، هي الفاعل، والمهزوم مثل الميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه. المحرقة الكذبة أصبحت قضية العالم وأصبح بعدها، العداء للسامية جريمة كبرى بل أكبر الجرائم، أما الجرائم الحقيقية الموثقة خصوصاً التي ارتكبها الغرب فقد دخلت أقبية وسراديب التاريخ.
انّ الغيرة والحمية من الغرب في الدفاع عن (إسرائيل) غداة السابع من تشرين الأول حين اهتزت، خافوا أن تسقط فاتت الأساطيل وحاملات الطائرات والقيادات السياسية والعسكرية، هبّوا جميعاً يقاتلون معها ويشدّون من أزرها في حرب قد تطور إلى حرب عالمية وتهدّد العالم، كلّ ذلك دليل واضح ليس فقط عن مكانة (إسرائيل) عندهم بل على خضوعهم لليهودية العالمية، وهذا ما يعني أنّ تحرير فلسطين ليس مجرد حرب مع دولة قامت على الاغتصاب بل انها أكبر قضية على مستوى العالم وأنّ التحرير يتطلب مجابهة على هذا المستوى.
هل يُعقل أن ينشغل العالم كله بوضع أو مصير ديانة لا يتعدّى تابعوها العشرين مليوناً؟ هل من المنطق بشيء أن تكون مناظرة تلفزيونية بين مرشحي الرئاسة الأميركية سباقاً على الولاء لـ (إسرائيل)؟ هل ممكن لأيّ مسؤول في أيّ دولة أن يعلن ولاءه لغير دولته؟ أم أنّ ولاء اليهودي ليهوديته استثناء؟ هل ممكن أن يمزّق ايّ مندوب عن أيّ دولة قراراً صادراً عن الأمم المتحدة احتقاراً وغطرسة ام أنّ مجلس الأمن والأمم المتحدة مستوطنات يهودية؟
العالم كان غارقاً باللون الأسود…
*حين اعترف بحق اليهود بإقامة دولة على أرض جماعة كانت آمنة فصُلبت.
*حين حصلت (إسرائيل) على مقعد في الأمم المتحدة لتصبح دولة الاغتصاب دولة شرعية في عرف القانون الدولي دون أيّ نظرة أو اعتبار لحق ومصير الفلسطينيين.
*حين تنكّر لشرعية أصحاب الأرض، أصحاب البيوت المأهولة، أصحاب أشجار الزيتون والليمون أصحاب التاريخ والتراب، ووافق على «شرعية» صنعها العدوان والقوة والقهر، وعاد اليوم يطالب بـ «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس؟!»
*حين يحصل هنري كيسينجر ومناحيم بيغن على جائزة نوبل للسلام!
*حين يرفع شعار معاداة السامية في وجه أيّ مسألة تطال أي يهودي أو أي مصلحة يهودية.
*حين تدخل الأفكار والمثل والقصص والحكايات اليهودية إلى الكتب المدرسية على مستوى العالم الغربي ومن يتأثر بهم والى كلّ الصحف والمجلات أيضاً والى الأفلام السينمائية والتلفزيونية وكأنّ اليهود درّة خلق الله أو فعلاً شعبه المختار!
*حين تقفز «إسرائيل» فوق كلّ القرارات الدولية، وهي أصلاً غير منصفة لنا، وعلى الاتفاقات (مع مصر ومع السلطة الفلسطينية) بل تدوسهم بأحذية جنودها.
*حين اجتاحت لبنان واحتلت الجولان، حين تعتدي كلّ يوم. لنقارن ماذا حلّ بالعراق حين دخل الكويت ثم حين رفض قرار مجلس الأمن!
العالم غارقاً بالسواد منذ أكثر من مئة عام ويردّد ببغائياً ما يريده اليهود، لكن الآن يطغى لون رمادي.
عجيب كيف أنّ الدم الفلسطيني الأحمر القاني نشر بياض الحقيقة والحق على العالم أجمع! حق بالبنادق يدوّي مع أصوات المدافع والصواريخ، يصدح في صرخة كلّ مقاوم ويطرق جماجم مخدرة بقبضاتهم.
امتلأت الشوارع في الولايات المتحدة وأوروبا بالمتظاهرين نصرة لفلسطين. هؤلاء يتحرّرون من تسلط اليهودية عليهم. في نصرتهم لفلسطين ينتفضون على الكنيس كما انتفضوا على الكنيسة حين استبدّت بهم في القرون الوسطى، ينتفضون على الدولة العميقة في دولتهم التي بعثرت قيَمهم واستباحت إعلامهم وتقود اقتصادهم نحو الانهيار. عشرات الفيديوات القصيرة صدرت عن إعلاميين ومثقفين ومسؤولين يشرحون فيها عن نفوذ اليهود وعن دور أصحاب الجنسيات المزدوجة (أميركي إسرائيلي) كيف يكون ولاؤه لـ (إسرائيل) فقط فلسطين تحررهم.
للمرة الأولى يتجرأ مسؤول أوروبي بالمجاهرة في حقنا وللمرة الأولى تتجرأ محكمة دولية على إدانة (إسرائيل) أو أيّ من مسؤوليها رغم عقوبات الولايات المتحدة ورغم التهديدات التي تمثل العنجهية والغطرسة اليهودية نفسها لكنها تعكس أيضاً أنّ وراء هذه العنجهية هناك خضوع كامل لليهودية العالمية.
العالم يستفيق تدريجياً إنما بسرعة من غيبوبته وبات يستطيع الرؤية من جديد وما بنته اليهودية وأدواتها خلال أكثر من مئة عام من أباطيل سينهار في سنوات قليلة وستشعّ من جديد قيَم الحق والخير والجمال بفضل دماء وتضحيات أبناء شعبنا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى