أولى

الجنرال “ابو نعمة” شهيدا

في نهاية الثلث الأول من شهور الحرب التسعة نظم مسؤول الإعلام المركزي في حزب الله الحاج محمد عفيف، لقاء عسكرياً جمع عدداً من جنرالات سابقين في الجيش اللبنانيين ينتمون لثقافة وخط المقاومة، وعدداً من الإعلاميين المتابعين للشؤون العسكرية والاستراتيجية، بمن وصفه بأحد العقول العسكرية للمقاومة والقائد الميداني الذي يملك مفاتيح صورة جبهات القتال، بما يتيح الاطلاع على تصورات المقاومة وخططها ورؤيتها للوضع العسكري والاستراتيجي.
في الزمان والمكان المقرّرين كان في استقبال الزائرين وجه مبتسم بلحية بيضاء ناعمة، وقامة متوسطة الطول والبنية، يناديه ضباط المقاومة بـ “أبو نعمة”. وخلال دقائق كان “أبو نعمة” ومن حوله اثنان من معاونيه يشرح على شاشة جداول وأرقاماً وصوراً، تظهر خط الجبهة الممتد من الناقورة إلى مزارع شبعا، وتشرح مفهوم جبهة الإسناد الذي قرّرته قيادات المقاومة وفق معادلة “لا تدحرج نحو حرب كبرى، واستنزاف حتى يرضخ جيش الاحتلال لشروط المقاومة في غزة لوقف الحرب”.
كان الجنرالات يُنصتون باهتمام ومثلهم الباحثون والمحللون، وهم يتابعون بذهول كيف يحفظ هذا الجنرال الشعبيّ عن ظهر قلب أسماء الفرق والألوية في جيش الاحتلال وتوزيعها وكيفية تبديلها ونقاط تموضعها، ويستغرق في شرح تفاصيل المرحلة الأولى التي أنجزتها المقاومة بتدمير 90% من تجهيزات التنصّت والاستعلام والاستشعار البالغة 1650 جهازاً زرعها جيش الاحتلال على طول 120 كلم على طول الحدود.
استمع الجنرال “أبو نعمة” إلى التساؤلات والمداخلات بتواضع العارف، وتهذيب المقاومين، واحترام الواثقين، فيوافق على رأي هنا ويناقش هناك ويوضح هنالك. وكانت معادلاته تقول إن المقاومة لو أرادت أن تخاطر بأخذ لبنان الى الحرب الكبرى، لوفرت الكثير من تضحياتها، وأن نسبة كبيرة من شهدائها تعود إلى أنها لا تستخدم التجهيزات والبنى التحتية التي تدخّرها للحرب الكبرى، وقال لو أردنا لكنا في الأيام الأولى بعد الطوفان دخلنا إلى نهاريا، لكن رد الفعل على لبنان كان سيكون شديد القسوة. والمقاومة تملك ما تردّ به على هذه القسوة بما هو أشدّ منها، لكنها لا تزال تقاتل تحت سقف تجنّب التدحرج الى الحرب الكبرى.
تحدث الجنرال “ابو نعمة” عن صواريخ البركان التي كانت قد دخلت حديثاً إلى الجبهات، وقال كثيرة هي المفاجآت التي تملكها المقاومة، والتي قد يكشف عن بعضها وفق مقتضيات الحرب، ولكن أهمها وأعظمها يبقى لاحتمال الحرب الكبرى.
استشهد الجنرال أمس، وكل الذين تسنى لهم المشاركة في هذا اللقاء حملوا الانطباع الذي لا ينسى عن شخصية جنرال من طراز خاص، قدّمته المقاومة، وتعرّف إليه محبّوها، وكان التعرف الى هذه النوعية من الجنرالات مصدر الثقة والشعور بالطمأنينة، بمستوى الثقة والطمأنينة لما ادخرته المقاومة، ولما تعلمه عن الكيان وجيشه ومستوطناته ومؤسساته، وحضور العلم والأخلاق والشجاعة والحرص والروح الوطنية والشعور بالمسؤولية في التكوين التأسيسيّ لقادتها.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى