أولى

لكلّ فريق مرحلته الثالثة…

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
تصدر في أوقات متقاربة تصريحات منسوبة إلى مصادر(إسرائيلية) تقول إن معركة رفح هي آخر معارك حرب تشرين الثانية (طوفان الأقصى) وإن هذه الحرب قد شارفت على نهايتها التي ستكون بعد يومين حيناً أو خمسة أيام لتتمدّد أحياناً وتصل إلى أربعة أسابيع. فالجيش (الإسرائيلي) يدّعي أنه قضى على 60% من كتائب المقاومة، فيما باقي الكتائب في طريقها للهلاك والدخول في المرحلة الثالثة من الحرب التي ستنتهي بالانتصار.
لكن حقائق الميدان والأخبار الواردة من ساحة المعارك تفيد بعكس ما يدّعي (الإسرائيلي) العسكري أو السياسي على حد سواء. فكتائب المقاومة في غزة وإن كانت تخسر في القتال بعضاً من مقاتليها، وهذه طبيعة الحروب، إلا أنها وحسب مصادر عبرية وأجنبية معادية، تنجح في تجنيد أعداد جديدة من الشبان المقاتلين وتقوم بتدريبهم، فيما تعمل مصانعها بكفاءة على صنع الصواريخ والقذائف وما يلزم للحرب كما ظهر في الصوت والصورة في إعلام المقاومة، وهو ما أكدته رشقة الصواريخ الأخيرة التي أطلقتها المقاومة والتي جاءت على شكل رسالة عرف (الإسرائيلي) معناها. وفوق ذلك فإنها توقع خسائر استثنائية في صفوف قوات العدو وبشكل يفوق في العدد والنوع ما كان يحصل قبل معركة رفح.
ليست المقاومة فقط مَن تكذّب الإعلام المعادي، وإنما حقائق الميدان أيضاً تكذب هذا الادعاء (الإسرائيلي) ويشارك في تكذيبه تناقض الأخبار التي ترد على مواقعه الإعلامية والتصريحات التي تصدر عن سياسييه وعسكرييه. فهو ينهي الحرب دون أن يحقق أهدافها المعلنة فلم يستطع استعادة مَن أسرته المقاومة ولم يتمكن من القضاء المبرم أو الجزئي عليها، ولم ينجح في تفريغ شمال قطاع غزة من سكانه الذين أخذوا يعودون إليه وينصبون خيامهم فوق أنقاض منازلهم التي دمرها الاحتلال، وفوق ذلك كله يقول الاحتلال إن لا مانع لديه من مشاركة عناصر يعتبرها معتدلة من حركة حماس في إدارة قطاع غزة في اليوم الثاني لما بعد الحرب، فعن أي انتصار يتحدّثون؟
لكل من أطراف الحرب مرحلته الثالثة المختلفة، فالمرحلة الثالثة عند (الإسرائيلي) تقضي بالانسحاب من المناطق الآهلة بالسكان، وإعلانه نصره الموهوم ومن ثم أن ينتقل من العمليات العسكرية الكبيرة التي تحتاج إلى أعداد ضخمة من الجنود والآليات إلى عمليات سريعة على شكل غارات واغتيالات واجتياحات وبما يشبه سيناريو شمال الضفة الغربية بحيث يتمركز في مناطق آمنة له بعيدة عن الأماكن المكتظة بالسكان وينطلق منها كل ما رأى حاجة لذلك لتنفيذ اجتياحات سريعة ثم يعود إلى مواقعه الآمنة التي يرى أن نتساريم مكانها المناسب، وهي التي أخذت تتعرّض مؤخراً لهجمات المقاومة التي توقع خسائر فادحة في صفوفه، وأصبحت وكأنها في قلب المعركة. يظن الاحتلال ومعه تحالفه الغربي – العربي أنه يستطيع بذلك القول إن الحرب قد انتهت، وبالتالي فلم تعد هناك حاجة للتدخل اليمني في البحر الأحمر بعد الآن ولا حاجة لمشاغلة المقاومتين العراقية واللبنانية له في الشمال. وبالطبع يترافق ذلك مع حراك غربي – عربي أيضاً في محاولة لسحب بعض قوى المقاومة من المعركة بتقديم إغراءات ووعود، وهي طريقة أصبحت قديمة وبالية وإن كانت لا تزال صالحة في التعاطي مع الأطراف الضعيفة في المحور العربي الملحق لواشنطن وتل أبيب، فإنها لا يمكن ان تمر على اليمن أو لبنان أو العراق وبالطبع ولا على إيران.
أما المرحلة الثالثة من الحرب في مفهوم المقاومة، فهي بالالتزام بكل ما تقدّمت به من شروط منذ بدء الحرب دون أن تتوقف عن التعاطي مع المبادرات المطروحة بما يلزمه التعاطي وإظهار الإيجابية مع عدم اقتناعها بإمكانية أن تصل تلك المبادرات إلى أي نهاية حميدة، وبسبب إدراك المقاومة أنها مبادرات مسمومة تعبر عن وجهة نظر (الإسرائيلي) والأميركي وإن جاءت بلسان عربي فصيح. فالمقاومة ترى أن الانسحاب الجزئي وفق التصور (الإسرائيلي) قد يُخرج جيش الاحتلال من دائرة الاستنزاف المتواصل إلى دائرة الاستنزاف الجزئي لذلك ستبقى المقاومة حريصة على بقائه في المستنقع ووضعه أمام أحد خيارين إما الانسحاب الكامل وفق شروط المقاومة أو الاحتلال الكامل وبقائه مستنزفاً من المقاومة الأمر الذي يذكر بما جرى قبل عام 2000 في الجنوب اللبناني حيث اضطر الاحتلال للانسحاب بشكل مذلّ ودون قيد أو شرط من جنوب لبنان وشطبه لمشروع ما أطلق عليه اسم دولة لبنان الحر وجيش لحد وتركهما لمصيرهما البائس أو لما يستحقه من يخون وطنه.
وبما أن العالم قد أصبح صغيرا أو كما تقول مدارس الإعلام (قرية كونية) وأصبحت الأحداث فيه تتشابك فإن (الإسرائيلي) الحاكم والتفرّد الى حد كبير بالقرار – نتنياهو يراقب بقلق نتائج الانتخابات الإيرانية بين سعيد جليلي وخصمه الإصلاحي، ولكنه يراقب أيضاً بتفاؤل نتائج المناظرات الانتخابية بين المرشح الديمقراطي العاجز جو بايدن وبين خصمه المرشح الجمهوري الأخرق دونالد ترامب ويدرك نتنياهو أن فرصة للبقاء السياسي أو لإطلاق جنونه الإقليمي ستكون أفضل في حال فوز المرشح الجمهوري.
بناء على هذا التصور لا بد له من إطالة زمن الحرب وإن تحديد خطوتها أو مرحلتها التي قد تكون الرابعة ستكون بموجب نتائج الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى