أولى

بعد الهزيمة في المشرق… عين واشنطن على الجزائر وجبل طارق

محمد صادق الحسيني

مع وصول المشروع الصهيو ـ أميركي ـ الأطلسي، الذي أطلق عليه اسم “الربيع العربي” الى نهاياته في المشرق العربي. وهو المشروع الذي ادّعى منفذوه، زوراً وبهتاناً، أنه مشروع إسلامي وثورة على الظلم والطغيان، في البلاد العربية. الا انّ الجرائم التي اقترفتها تلك العصابات الإجرامية، المموّلة سعودياً وخليجياً، والتي أدارتها غرفة عمليات الموك في عمّان وتركيا، على مدى عشر سنوات، وأنفق عليها عرب النفط ما يزيد على مئة وخمسين مليار دولار، بحسب اعترافات أحد أذرع الصهيونية والإمبريالية الأميركية في العالم العربي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، في مقابلته التلفزيونية الشهيرة مع محطة “بي بي سي”، قبل حوالي ثلاث سنوات، حين اعترف بأنهم أنفقوا على تسليح تلك المجموعات الإرهابية، فإنّ واشنطن وتل أبيب والأطلسي لم يتخلوا بعد عن مشاريعهم التدميرية الإجرامية في بلادنا بتاتاً بل نقلوها الى ساحات أخرى.
فالمعروف أنهم وبعد هزيمة ما سُمّي قوات داعش، في كل من العراق وسورية، حلب ٢٠١٦ والموصل ٢٠١٧، فقد بادرت واشنطن، بالتعاون مع تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، بنقل فلول الإرهاب المهزومة تلك الى أفغانستان ودول آسيا الوسطى، المسلمة، لاستخدام تلك العناصر في إشعال نار الفتن والحروب الأهلية في تلك المناطق، بالاضافة الى نقل أعداد كبيرة جداً، من تلك الفلول، الى جنوب ليبيا ودول الساحل الأفريقية، مالي، بوركينا فاسو والنيجر، وتسريب عداد كبيرة منها، بالتعاون مع رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الى كل من أوغندا والكونغو الديموقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى، وغيرها من الدول الأفريقية، التي عانت كثيراً من هجمات أولئك الإرهابيين في السنوات الماضية، خاصة بعد ما شكلت الولايات المتحدة قيادة عسكريةً أميركية، اسمتها: قيادة أفريقيا . Africom
وعلى الرغم من نشر هذا الإرهاب، المموّل سعودياً، في أنحاء مختلفة من القارة الأفريقية الا ان العين الأميركية والصهيونية بقيت مركزة على الجزائر، بلد الثورة التي انتصرت على الاستعمار الفرنسي، بداية ستينيات القرن الماضي وشكلت رافعة مهمة لكل حركات التحرر في أفريقيا، إضافة الى دعمها اللامحدود للثورة الفلسطينية.
وهو ما دفع الإدارة الأميركية وقيادة العدو الصهيوني الى تعزيز وتوسيع التعاون، السري والعلني، مع المغرب، بدءاً باتفاقيات التطبيع، بين الكيان الصهيونى والمغرب وصولاً الى تعيين العقيد شارون ايتاح، ملحقاً عسكرياً إسرائيلياً في المغرب، اواسط شهر تموز سنة ٢٠٢٣، وتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري بينهما، الى جانب إقامة مشاريع صناعات عسكرية إسرائيلية في المغرب، وبناء قاعدة عسكرية إسرائيلية، لا تبعد عن الحدود الجزائرية سوى مئة وثمانين كيلومتراً، الأمر الذي تبرره تل أبيب و”دولة المخزن” في المغرب بضرورة مواجهة النفوذ الإيراني في شمال أفريقيا، وخاصة في الصحراء، التي يدّعي المغرب أنّ إيران تساعد حركة تحرير الصحراء بالمال والسلاح.
كما لا بدّ من الاشارة الى النشاط العسكري الأميركي الصهيوني المتزايد في المغرب، والذي اتخذ شكل المناورات المشتركة، وبمشاركة إسرائيلية، منذ سنة ٢٠٠٧، وهي المناورات التي أجريت آخر مرة في الفتره بين ٢٠ وحتى ٣١ أيار ٢٠٢٤.
إن الدافع الحقيقي، إزاء مثل هذا الجهد العسكري الإسرائيلي الأميركي، تجاه المغرب وتعزيز دوره الوظيفي، ليس سوى خدمة المصالح الصهيو ـ أميركية، ليس في شمال أفريقيا فحسب، بل وفي كل القارة الأفريقية والمنطقة العربية.
وذلك في إطار أهداف استراتيجية لكل من واشنطن وتل ابيب، في منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام وفي الفضاء الجزائري المغربي بشكل خاص.

ومن بين أهمّ تلك الأهداف ما يلي:
أولاً: تأهيل المغرب، ليس فقط سياسياً وانما عسكرياً وأمنياً ايضاً، للعب دور أكبر بكثير من الأدوار التي لعبها حتى الآن، خاصة في القارة الأفريقية، وليس فقط في المغرب العربي. وهو الدور الذي اصبح أكثر ضرورة وأكثر اهمية بعد الهزائم التي تعرّضت لها فرنسا في الكثير من الدول الأفريقية، ونخص بالذكر دول الساحل، الواقعة الى الجنوب من المغرب.
ثانياً: محاولة تعزيز القوات المسلحة المغربية، وبمساعدة تل أبيب، لرفع مستواها التقني/ التسليحي، خاصة في ضوء ان الجزائر تمتلك أكبر سلاح بحرية وقوات جوية في كل القارة الأفريقية، لا بل ان سلاح البحرية الجزائري يتفوّق على سلاح البحرية الفرنسي، اذا ما استثنينا حاملة الطائرات الفرنسية، شارل ديغول، علماً ان دور حاملات الطائرات يعيش تراجعاً دراماتيكياً بسبب الصواريخ المضادة للسفن، وتلك الفرط صوتية على وجه الخصوص.
ثالثاً: وفي إطار الاستراتيجية الصهيو ـ أميركية هذه، الهادفة لإضعاف القدرات الجزائرية، فإنّ الاستراتيجيين الأميركيين يتَّبعون مسارين متوازيين، هما:
*توريط الجزائر في صراع مسلح مع المغرب، تكون مسألة الصحراء محوره الأساسي، وتشكيل تحالف دولي، لمواجهة ما اصبح استراتيجيو واشنطن يسمّونه: التحالف الروسي الصيني الإيراني، وما سينجم عن ذلك من استنزاف للقدرات الجزائرية، واختطاف مشاريع الغاز العملاقة، من اليد الجزائرية، وتسليمها للأيدي المغربية الصهيونية، ونعني بالتحديد: مشروع استجرار الغاز الطبيعي، عبر مشروع خط أنابيب الغاز العملاق، الممتد من جنوب نيجيريا، عبر النيجر والجزائر، وصولاً الى نقطة التسليم في جزيرة صقلية الإيطالية.
علماً أن الحكومة الجزائرية قد قررت، في وقت سابق من العام الماضي، اعتبار إيطاليا مركزاً لتوزيع الغاز الجزائري والنيجيري، المرسل عبر خطوط الغاز الجزائرية، الى كل الدول الاوروبية، المرتبطة مع إيطاليا بشبكات أنابيب لنقل الغاز الطبيعي.
وقد تم توقيع سلسلة من الاتفاقيات، المتعلقة بذلك، بين كل من الجزائر والدول الأفريقية المنتجة، إضافة الى الاتفاقيات المكملة مع الدولة الإيطالية، وما يترتب على ذلك من إقامة البنى التحتية اللازمة لذلك.
*إلا أن الجهود الصهيوأميركية لم تتوقف عند هذه المؤامرات، المتعلقة بمشاريع الطاقة العملاقة، وإنما تعدتها الى بدء العمل التنفيذي، لخلق الفتن والقلاقل داخل الدولة الجزائرية، خاصةً بعد فشل الجهود الأميركية الصهيونية في نقل عناصر التنظيمات التكفيرية، عبر ليبيا الى داخل الجزائر، خلال السنوات العشر الماضية، وذلك نتيجة للتحرك الجزائري الفعال، في مجالي: الأمن الوقائي داخل الجزائر، وفي المحيط القريب منها.
* الهجوم الديبلوماسي الجزائري المتواصل، سواء في المنطقة العربية او القارة الأفريقية او على المستوى الدولي، حيث انّ الجزائر تلعب أدواراً محورية، في الكثير من قضايا العالم الاستراتيجية، الأمر الذي عزّز مكانة هذه الدولة في مجال صياغة علاقات دولية جديدة وقواعد تعامل دولي أكثر كفاءةً، مما جعل الجزائر قطباً دولياً مهماً.
وفي إطار مواصلة جهودها، لخلق القلاقل الداخلية وتقويض الاستقرار الداخلي في الجزائر، فقد عمدت الجهات الأمنية والعسكرية الأميركية، بالتعاون مع ما تسمّى دولة الامارات العربية المتحدة (تمويل) ودولة المخزن في المغرب من جهة، ومع الكيان الصهيوني من جهة أخرى، الى اتخاذ الاجراءات التالية:
1 ـ نقل ٨٤٦ عنصراً، من بقايا إرهابيي داعش في العراق وسورية، الى شمال غرب تونس، وتركيزهم في جبال مناطق:
ـ عين دراهم، فرنانه، جندوبه. على ان يجري تسريبهم الى داخل الجزائر بالتدريج.
2 ـ نقل ٤١٢ عنصراً تكفيرياً، الى منطقة سيدي علي، الواقعة جنوب شرق المغرب، على بعد خمسين كيلومتراً عن الحدود الجزائرية.
وقد تم توزيعهم على ثلاث نقاط تجمع، شمال شرق وغرب هذه البلدة المغربية، ويشرف على تدريبهم وتحضيرهم، للقيام بمهمات تخريبية داخل الجزائر، مجموعة ضباط عمليات صهاينة ومغاربة، تحت إشراف قيادة أفريقيا الأميركية / AFRICOM، وتتكون هذه المجموعة من:
* ثلاثة ضباط أميركيين، غير مقيمين.
* ثمانية ضباط مغاربة، تمّ فرزهم لهذه المهمة من عديد القاعدة العسكرية المغربية في بلدة: تاكونيت.
* ستة ضباط إسرائيليين، يتبعون هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، وهم من اصول مغربية ويقيمون في القاعدة العسكرية المغربية المذكورة أعلاه.
3 ـ نقل ١١٤ عنصراً إرهابياً، تم تقسيمهم الى وحدتين، هما:
* الوحدة الأولى، التي تضم ٤٢ عنصراً، تم نشرهم في جبال بلدة: مَداغْ المغربية.
* الوحدة الثانية، التي تضم ٧٢ عنصراً إرهابياً، تم نشرهم في جبال منطقة: فَزْوان المغربية، حيث يخضعون لدورات تدريبة، تحت إشراف ضباط من الدول الثلاث المذكورة أعلاه.
إذن هي استراتيجية أميركية صهيونية، تهدف الى إضعاف الجزائر وهدر طاقاتها، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وذلك للأسباب التالية:
أ) القوة العسكرية الجزائرية، القادرة على حماية أمن الدولة وبالتالي حماية خطها السياسي، المؤيد لقوى التحرر والقوى المعادية للهيمنة الأميركية الأطلسية في العالم.
ب) الموقع الاستراتيجي، الذي تتمتع به الجزائر، وقربها من مضيق جبل طارق والدور الذي يمكن أن تلعبه، في حال حصول حرب إقليمية كبرى، تكون فيها واشنطن وتل ابيب في مواجهة محور المقاومة، خاصةً في ما يتعلق بإمكانية قيام الجزائر بفرض حصار بحري شامل على الكيان الصهيوني، من خلال منع السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من عبور مضيق جبل طارق.
ج) كما لا بدّ من التأكيد على انّ الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، تعتبر الجزائر مكوناً من المكونات المعادية للهيمنة الأميركية الأطلسية في العالم، وعليه فإنهما يتعاملان مع الجزائر على أساس انها عدو استراتيجي وخطير جداً، خاصةً اذا ما اجرى المختصون تحليلاً علمياً دقيقاً لقدرات الدولة الجزائرية، وليس فقط لقدرات القوات المسلحة الجزائرية، بكل صنوفها.
وما الدور الإيجابي والفعال جداً الذي تلعبه الجزائر، ولو بعيداً بعض الشيء عن الإعلام، في منطقة دول الساحل الأفريقية، الواقعة جنوب الصحراء، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وصولاً الى جمهورية بينين وغيرها في الغرب الأفريقي، إلا جهد جبار لمساعدة الدول المذكورة وغيرها في التخلص من الارث الاستعماري، الذي تسبّب في كل المشاكل التي تعاني منها جميع الدول الأفريقية.
من هنا فإنّ واشنطن وتل أبيب تعتبران الجزائر خطراً على مصالحهما، في أفريقيا وفي العالم العربي، وهو الأمر الذي يدفعهما لتأهيل دولة المخزن في المغرب، بمساعدة ومشاركة إسرائيلية مباشرة، على صعيد الأمن والتجسّس والتعاون العسكري، في كلّ المجالات وعلى رأسها مجال التصنيع العسكري.
فطبقاً لتصريح رسمي، للرئيس التنفيذي لشركة: بلوبيرد إيروسيستيم الإسرائيلية، روتين نادر، الذي أدلى به يوم ٦/٤/٢٠٢٤ لموقع: زونا ميليتار، ونشر بتاريخ ١٣/٤/٢٠٢٤ على هذا الموقع، صرح نادر بأنّ شركته، المتخصصة في إنتاج المُسيّرات المختلفة المهمات، بأن فرع شركته في المغرب سيبدأ الإنتاج المتسلسل.
بينما نشرت صحيفة لوموند مقالاً، حول الموضوع نفسه، بتاريخ: ٦/٥/٢٠٢٤، قالت فيه إن المُسيّرات التي، ستنتجها هذه الشركة في المغرب، هي من فئة: ڤاندر / ب – Wandar B – VTOL وثاندر / ب – ThunderB – VTOL

علماً ان التصنيع العسكري الإسرائيلي في المغرب لا يقتصر على هذا النوع من المُسيّرات، بل يتعداه الى الكثير من المجالات، ولا عجب في ذلك، نظراً لوجود الآلاف من الضباط في الجيش الصهيوني من أصول مغربية، وعلى رأسهم: رئيس اركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزينكوت، ابن اليهودية المغربية: إيستر آيزينكوت، المولودة في مدينة الدار البيضاء المغربية وابن اليهودي، المولود في مراكش المغربية، وكانا (الوالدان) قد هاجرا الى فلسطين المحتلة في بداية خمسينيات القرن الماضي.
وختاماً لا بد لنا من التذكير بأن مستشار الملك المغربي، ومنذ تسلم العائلة الحاكمة للحكم في هذا البلد، هو يهودي من عائلة ازولاي، التي هاجر الكثيرون منها إلى فلسطين المحتلة، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
بعدنا طيبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى