مقالات وآراء

مؤتمر هرتسيليا الحادي والعشرون… إعلانُ انتصارِ لمحور المقاومة

‭}‬ فريد محمد المقداد
عُقد يومي (24- 25) حزيران للعام 2024م المؤتمر (21) الذي ينظمه مركز هرتسيليا متعدد المجالات تحت شعار: «الرؤية والإستراتيجية في عصر عدم اليقين»، في جامعة رايخمان – الجامعة الخاصة الوحيدة في الكيان الصهيوني – بمدينة هرتسيليا التي أسّسها المستعمرون الصهاينة على أرض قرية الحرم (سيدنا علي بن عليل) وجاءت تسميتها نسبة إلى مؤسس الصهيونية «تيودور هرتزل»، تأسّس مؤتمر هرتسليا عام 2000م بمبادرة من «عوزي آراد» وهو ضابط سابق في الموساد وشغل منصب المستشار السياسي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني «بنيامين نتنياهو» تحت شعار «ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي»، والذي أصبح شعاراً لكل المؤتمرات اللاحقة…
أهمية مؤتمر هرتسيليا تكمن في أنه يمثل خلاصة عقل الكيان الصهيوني الغاصب، وأعلى هيئة فكرية صهيونية للتخطيط البعيد الأمد، وقد لخص «يسرائيل إلعاد ألتمان» مدير البحوث السابق في معهد السياسة والاستراتيجيا في مركز هرتسيليا أهداف المؤتمر بقوله: «يرسم المؤتمر جدول الأعمال الاستراتيجي للدولة العبرية، مشكلاً خلفية للبحث في المقتضيات السياسية العملية، لغرض تحديد سلم الأولويات الوطنية الصهيونية»، حيث يتناول المؤتمر التحديات التي تواجه الكيان الغاصب والطريق والأساليب والمشاريع الكفيلة بمواجهتها، وغنيّ عن البيان أنّ جلّ التوصيات والمقترحات والأفكار التي تطرح في هذا المؤتمر تأخذ طريقها للتنفيذ وتصبح قرارات حكومية أو تكون من ضمن خطط الكيان، ولعلّ من أهمّ ما يميّز هذا المؤتمر أمران: الأول أنه لا محرمات ولا ممنوعات في الطروحات والمناقشات والآراء، فالجرأة حاضرة بقوة، والحصانة مرفوعة عن كلّ الشخصيات، وتزول السرية عن كلّ الملفات…
أما الأمر الثاني الذي يميّز المؤتمر فهو الحضور حيث يشارك فيه رؤساء الكيان السابقون، رؤساء الحكومات السابقون، رؤساء هيئة أركان، مفكرون استراتيجيون، قادة عسكريون وأكاديميون من الجامعات الصهيونية المختلفة، وأشخاص من خارج الكيان لهم علاقة بالمواضيع المطروحة على أجندة المُؤتمر، علماً بأنّ مؤتمر هرتسيليا الأخير الذي نحن بصدد الحديث عنه قاطعه نتنياهو وحلفاؤه المتديّنون، فيما شارك في الندوات والحوارات عشرات رجال السياسة والأمن والخبراء من خارج وداخل الكيان بأكثر من 2000 شخصية سياسية وعسكرية وصاحبة خبرات مختلفة، وتحدث العشرات ومن بينهم مسؤولون في الهيئات السياسية والعسكرية العليا وصناع القرار .
ما يميّز مؤتمر هرتسيليا في نسخته الحادية والعشرين المواضيع التي تمّ طرحها وأخذت حيّزاً كبيراً من النقاش وصل إلى الخلاف والشجار في كثير من الأحيان، خصوصاً أنّ الهاجس الذي كان واضحاً لدى الجميع كيف نوقف تفكك الكيان، أهم المحاور التي ناقشها المؤتمر إمكانية حدوث مفاجآت مستقبلية تشبه ماجرى في السابع من تشرين الأول، كما برز محور العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة وهل يستطيع الكيان العيش دون دعم الولايات المتحدة ؟ الأمن القومي والصمود الوطني والترابط بينهما في ظلّ الوضع الأمني الذي يشهده الكيان منذ تسعة أشهر وانعكاساته على مختلف الجوانب، الملفّ النووي الإيراني، النظام العالمي، النظام الإقليمي وموقع الكيان فيه، ملف اللاسامية، ملف الأسرى، الأمن الداخلي للكيان، جبهتا الشمال والجنوب، ساحة الحرب الإعلامية، الذكاء الصناعي، وغير ذلك الكثير…
ـ أبرز القضايا التي كانت حاضرة للنقاش خلال انعقاد المؤتمر وبقوة التصدع الذي أصاب حكومة الاحتلال نتيجة ضربتين مؤلمتين تلقتهما آنٍ واحد، أولاهما قرار محكمة الكيان العليا تجنيد «الحريديم» (المتدينين والمتشدّدين دينياً) وإيقاف موازنة مدارسهم التعليمية، وهو قرار يضع الحكومة أمام خطر التفكك في حال قرّرت الأحزاب الدينية والداعمة لها في الائتلاف الانسحاب من الحكومة، إذا لم تتوصل إلى تفاهمات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، آخذين بعين الاعتبار ضرورة الالتزام بتنفيذ قرارات المحكمة .
ثانيهما استقطاب شديد بين مكوني الحكومة أعضاء كتلة «الليكود» من جهة، وأحزاب الائتلاف من جهة أخرى، في أعقاب تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي الأقرب لنتنياهو، بأنّ «النصر الحتمي» والقضاء على «حماس» شعارات يستحيل تحقيقها، وهو ما توافق مع تصريحات سابقة لرئيس أركان الجيش «هرتسي هلفي» وأمنيين وعسكريين يعارضون سياسة نتنياهو تجاه حرب غزة، بأنه لا يمكن القضاء على «حماس» فهي فكرة وحركة لها أيديولوجيتها وامتدادتها بين الفلسطينيين وفي مختلف المناطق.
ـ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ مؤتمر هرتسيليا يعتبر أهمّ نقاط الارتكاز التي تعتمد عليها حكومات الكيان في اتخاذ القرارات الاستراتيجية كقرار الحرب بعد تقديم توصيف دقيق للأخطار التي تهدد الكيان، وإذا كان الانقسام على أشده تجاه حماس وقضية الأسرى فإن الاتفاق كان سيد الموقف في النقاش حول جبهة الشمال التي حظيت بإهتمام كبير من جانب المؤتمر، فلم تطرح المواقف الداعية للحرب وإنما ركز المتحدثون على طرح مواقف تمنع الحرب وجعلوا الأولوية لجبهة الجنوب وإنجاز صفقة تبادل الأسرى.. أهمّ المتحدثين كان «تساحي هنغبي» رئيس مجلس الأمن القومي في الكيان، الذي فوّضه نتنياهو ليقوم هو ووزير الشؤون الاستراتيجية «رون ديرمر» بمتابعة موضوع الحرب وجبهة الشمال والأسلحة في واشنطن، تساحي هنغبي كشف النقاب عن تفاهمات غير مسبوقة مع واشنطن التي أكدت على ضرورة تخفيف حدة التهديدات لإفساح المجال للتقدم في المفاوضات، مبيّناً أنّ لقاءه وديرمر مع المبعوث الأميركي للمنطقة «آموس هوكشتاين» كان إيجابياً إلى أبعد الحدود، وأنّ أمام الكيان أسابيع طويلة للوصول إلى تسوية، مبيّناً ان واشنطن تعمل على ضمان عودة سكان الشمال إلى بيوتهم من خلال خلق وضع جديد مختلف وآمن على الحدود مع لبنان مؤكداً أنّ حكومة الكيان وواشنطن تتوقعان تقدّماً في المحادثات بعد انتهاء عملية رفح.
ـ السؤال هل يستطيع الكيان العيش دون دعم الولايات المتحدة؟ كان مطروحاً للنقاش بقوة حيث يرى بعض أنصار نتنياهو ان الكيان يستطيع الاستمرار دون تحالف مع اميركا، وعليه فإنّ حكومة الكيان الحالية ليست ملزمة بتنفيذ التوجيهات الأميركية . وفي هذا الصدد أكد عدد من أعضاء مؤتمر هرتسيليا على ضرورة البدء بجهد فوري لمعالجة أسباب التنافر بين الكيان وأميركا لتطويق نتائجه المدمرة على الكيان، حيث أن تحوّل هذا التنافر إلى سياسة رسمية يشكل تهديداً وجودياً للكيان.
ـ «غادي آيزنكوت» رئيس أركان جيش الكيان السابق وعضو مجلس الحرب حتى استقالته قبل حوالي أسبوعَين، كان في مركز القرار خلال وجود حكومة الطوارئ تحدث عن أسباب عدم إتمام صفقة التبادل مع حماس؛ بسبب مواقف نتنياهو الرافضة لإنهاء الحرب واصفاً إياه بأنه يغيّر مواقفه حسب رغبة سامعيه وحسب مصالحه السياسية الشخصية، ليسأل الحضور: «هل تقبلون أو ترفضون مبادرة السلام العربية لإنهاء الصراع العربي مع الكيان والصهيوني – الفلسطيني؟» وذلك في إشارة واضحة إلى أنّ المجتمع في الكيان يتجه نحو سياسات أكثر تطرفاً وعدواناً، خصوصاً لجهة دعم الاستيطان والاحتلال.
ـ قضية عدم تحرير الأسرى من أبرز القضايا التي ناقشها المؤتمرون والسؤال الجوهري في هذا المحور كان هل نقض الكيان «الاتّفاق بينه وبين مواطنيه»؟ فالكيان تعهّد للمستوطنين بإنقاذهم من أيّ مأزق يتعرّضون له وهم يبذلون أرواحهم للدفاع عن الكيان، ومن المؤكد أنّ الكيان نقض هذا التعهّد، مما جعل المواطنين في حِلّ من عهدهم، ويحقّ لهم عدم الخدمة في جيش الكيان. المسؤول عن هذا النقض مباشرة هو رئيس الحكومة الكيان الذي فضل مصلحته الخاصة على مصلحة المواطنين وخاصة الأسرى.
رئيس مؤتمر هرتسليا ورئيس معهد السياسات الإستراتيجية الجنرال احتياط «عاموس جلعاد» لخص أهمية المؤتمر واحتياجات الكيان في الوقت الحالي بالقول: «وقف جميع مظاهر تفكك الدولة، فإذا لم تكن «إسرائيل» دولة وفقاً لقيمها الأساسية فإنّ أمنها القومي سيتضرّر من جميع الجوانب، وهناك انقلاب يهدف إلى تحويلنا من دولة ديمقراطية مزدهرة إلى دولة متخلفة وسنصل إلى الهاوية، فهذا تنبيه استراتيجي إلى أننا نقف عند مفترق طرق لم يسبق له مثيل في التاريخ، ونحن في ذروة قوتنا في مواجهة التهديدات المتزايدة، وعلينا العمل فوراً لمنع وصولنا إلى الهاوية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى