اليمين المتطرف… مستقبل أوروبا الجديدة!
} نمر أبي ديب
لعلّ الأبرز في مسبّبات وصول اليمين المتطرف إلى هذا الموقع المتقدِّم في السياسة الفرنسية، يكمن في ترهّل الأحزاب التقليدية داخل البيئة الفرنسية، اليمينية منها واليسارية، يُضاف إليها، عدم تنفيذ الوعود كما المشاريع السياسية والأفكار التي التزمت بها، أو تضمّنتها البرامج الانتخابية لتلك الأحزاب، يُضاف إلى ذلك سلسلة عوامل داخلية أبرزها شيطنة اليمين المتطرف، دون أن تترافق تلك الشيطنة مع إنجازات سياسية مبهرة تؤكد من زوايا مختلفة «صحة الخيار الفرنسي كما الرهان السابق» الذي أسقط في أكثر من انتخابات رئاسية سابقة، تراوحت ما بين 1980 و2017 اليمين المتطرف المتمثل في حينه، أي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بشخص مارين لوبان، لصالح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،
يُضاف إلى ما تقدَّم التحول الاستراتيجي في منظومة الوعي الفرنسي كما الرهان السياسي الذي دخلت من خلاله «أوروبا مع فرنسا» مرحلة جديدة لا بل استثنائية سمحت في كسر جدار الرفض الاستراتيحي، لـ «يمين متطرف»، نجح في استمالة الشارع الفرنسي، والحصول على «صك براءة» رئاسية نتيجة التبني الاستراتيجي لجملة ملفات أبرزها: ملف الهجرة: انطلاقاً من مبدأ «فرنسا للفرنسيين» ما قد يفرض على جميع المهاجرين من خارج العاملين مغادرة «فرنسا»، ثانياً «ملف المعيشة» الذي يتناول بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطن، يضاف إليه ملفات أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر ملفات «الصحة والبيئة» فقد كشفت «نتائج الانتخابات التشريعية في جولتها الأولى» جملة معادلات فرنسية جديدة من بينها:
«التحوّل في روحية الموقف الرئاسي الفرنسي»، جزء لا يتجزأ من أوروبا الجديدة، من منظومة الدول الحديثة التي يتطلبها بعيداً عن ايّ هيمنة دولية، أميركية كانت أم غير أميركية، النهوض الاستراتيجي «للنظام العالمي الجديد»، المتعدد الأقطاب، والمرجعيات المالية لاحقاً»، ثانياً: بقاء اليسار الفرنسي في دوامة السقوط الشعبي، مرتبط بشكل مباشر مع «نتائج الاختبار السياسي» الذي دخله «اليمين المتطرف» من بوابة التحوُّل الاستراتيجي النابض الأول مستقبلاً في بنية وأركان الموقف الفرنسي الشعبي كما الرسمي، بالتالي ما تشهده الساحة الفرنسية اليوم لا يمكن استدراكه يسارياً أو ضبط إيقاعه التمدّدي بمشاريع مشابهة أو مضاضة لطروحات وأفكار ومشاريع اليمين المتطرف، نتيجة فقدان «الثقة الشعبية» بـ أهلية اليسار ونتائجه الكارثية في كلّ من «فرنسا» كما الساحة الدولية، التي لم تسجِّل فيها الإدارة الفرنسية، بمشاركة الرئيس «إيمانويل ماكرون»، نصر دبلوماسي واحد، وفي حدّه الأدنى الحفاظ على نفوذها السياسي، كما حضورها الاستعماري، في «لبنان، كما النيجر» وغيرها من دول الانتشار التاريخي، المسجّل بحبر الحقائق الزمنية على خارطة الفشل الفرنسي، بالتالي أحد شروط التحوّل الفرنسي المتاحة مستقبلاً تكمن في رهان اليسار مع بعض اليمين على فشل «الرهان الشعبي السياسي وحتى الاقتصادي» على «اليمين المتطرف»، وتلك معادلة سابقة لأوانها السياسي، لا يلوح لها حتى اللحظة أي أفق وجودي، في مستقبل فرنسا الجديدة.
سجلت أغلب الأحزاب الأوروبية المنضوية عقائدياً حتى قومياً تحت راية «اليمين المتطرف»، في مجمل الدول الأوروبية، زيادة لافتة في إجمالي عدد مقاعدها داخل البرلمان الأوروبي، فقد حصلت على مراكز متقدمة في كلّ من إيطاليا وفرنسا إضافة إلى هولندا المانيا وغيرها ما يفتح باب التساؤل الاستراتيجي، كما الاستفسار، عن حجم وطبيعة التكيُّف الأميركي مع واقع أوروبا الجديد، عن مسألة بحت وجودية، يتأثر بها ومن خلالها الانتظام العالمي للمحور الأميركي، الذي وبعكس المتوقع قد يبدأ في التداعي والسقوط تباعاً من الجهة الأوروبية، وليس من أي جهة دولية أخرى، أو حتى إقليمية.
عطفاً على ما تقدّم، يرجَّح ان لا يدوم طويلاً، المفهوم الأممي لأوروبا الموحدة وتلك مسألة وجودية يتهدّد من خلالها العرش كما الوحدة الأوروبية، وأحد أبرز سلبياتها أميركياً، عودة دول الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق المزيد من السيادة الأوروبية على حساب التبعية الخارجية كما النفوذ الاستغلالي الذي تتصدّره اليوم الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يفتح باب الاجتهاد، والانتقال الأوروبي إلى مجالات بحت استثنائية وأخرى استراتيجية تطيح دون أدنى شك بمجمل الموازين، كما المعايير الأوروبية الحالية.
ما تقدَّم يؤشر مع الاستنتاج السياسي، إلى جملة عوامل أساسية، ذات مقدمات ميدانية استثنائية، إذ نخصّ في الذكر التموضعات المختلفة، كما الرهانات الاستراتيجية، يضاف إليها حسابات الطاقة وحتى الأمن عسكرية، التي يفترض أن تظلّل بمفاعيلها السياسية كما الميدانية دول أوروبا الجديدة وهنا يمكن التحدث عن متغيّرات بنيوية في أساس المشهد الأوروبي يمكن الحديث عن مسلمات سياسية، عن نهضة وجودية قادرة على التغيير» وأيضاً على بناء أوروبا جديدة، أكثر حيوية وقدرة، الجدير في الذكر، أن ما تقدّم لا يمكن أن يمر بمعزل عن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، و»صحوة عالمية»، تزيل ما تبقى من رواسب ومخلفات النظام الاحادي السابق.
أوروبا وفي مقدمتها فرنسا، على أبواب متحوّر سياسي أكثر من وجودي، مؤسس «لعوامل انتصار» استراتيجية ضخمة، في مراحل حساسة وأساسية من مسار الصراع العالمي الحالي، ما قد يضع «أوروبا الجديدة»، من زاوية «فرنسا اليمين المتطرف، وحتى إيطاليا»، حجر زاوية، في تثبيت وتمكين دعائم وأسس النظام العالمي الجديد.