مقالات وآراء

نهاية الحلم…

‭}‬ مامون ملاعب

يستطيع السلاح الأميركي والتدخل المباشر الغربي إطالة أمد الحرب. يستطيع أيضاً زيادة رقع الدمار كما زيادة المآسي والإكثار من الآلام والأحزان، لكن لم يعد باستطاعة أحد لا أميركا ولا كل الأطلسي ومن خلفهم كلّ القوى المتصهينة إعادة البريق الى الحلم !
قام المشروع، وبصرف النظر مَن استغلّ مَن، أهُم الأوروبيون استغلوا اليهود أو اليهود استغلوا الأوروبيين، وبصرف النظر أيضاً إنْ كانت (اسرائيل) قاعدة للاستعمار ام دولة الوعد الإلهي، إنما الواضح المعلن الموثق أنها وبحسب وعد بلفور أو بحسب محاولات الحركة الصهيونية قبل ذلك مع السلطنة العثمانية أو بحسب دستورها وقانون الجنسية في أنّ أيّ يهودي يستطيع الحصول على «الجنسية الإسرائيلية» أو بحسب ما يصدر عن لسان قياداتها هي دولة لليهود… في الحقبة الأخيرة خصوصاً بعد وصول الليكود إلى الحكم عملت حكومتهم على تحقيق المشروع كما صمّم أن يكون، أيّ تحقيق الدولة اليهودية ويهودية الدولة. هذا الأمر يتطلب مجموعات خطوات بدأت دولة العدوالاعداد لها وتنفيذها:
*الاعتراف بها دولة لليهود، وهذه الخطوة لا بدّ منها من أجل أن يتبعها بقية الخطوات، وكان ترامب قد وافق على ذلك.
*عاصمة الدولة هي أورشليم ـ القدس وهذا شرط توراتي وإلا ما المشكلة أن تكون تل أبيب هي العاصمة.
*تدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان. وهذا ما كان يجري تدريجياً بسرعة تتناسب مع نمو المشروع سياسياً.
*إنهاء معاهدة أوسلو. هي في الأساس قامت كخدعة في مرحلة كان لا بدّ من المرور بها من أجل (ترويض الفلسطيني والعرب) لكن العدو عاد وألغى الاتفاقية بالتدريج في القفز على كلّ بنودها تمهيداً لإلغاء السلطة الفلسطينية.
*طرد الفلسطينيين من الضفة وغزة وبقية فلسطين وهذا كان يتطلب مجموعة خطوات وعملاً تدريجياً كما موافقة مصر والأردن ولو بالقوة، وهذا ممكن فلا الأردن قادر على رفض الإملاءات الأميريكية، وإلا فإنّ الملك سيبحث عن عرشه والأصحّ أنّ العرش سيبحث عن ملك. ولا مصر قادرة على الرفض فقد خرقت (إسرائيل) الاتفاقية بينهما واحتلت محور فيلادلفيا ودمّرت معبر رفح بل قتلت جنوداً مصريين دون أدنى اعتراض ولو بكلمة. حتى أنّ الدول العربية المطبّعة والتي على وشك التطبيع سخرت إعلامها والناطقين بسياساتها لخدمة «دولة اليهود» وما يُسمّى «حق اليهود بأرضهم التاريخية» و»أبناء العمومة من ابراهيم».
من شروط نجاح المشروع أمران لا يمكن التفريط بأيّ منهما:
الأول: أن تكون الدولة المستحدثة قوية بما يكفي لهزيمة كل دول المحيطة فرادى أو مجتمعين. يدرك اليهود أن دولتهم تقوم بعامل القوة وغصبا عن إرادة أبناء المنطقة وأول شرط. لبقائها واستمرارها أن تتمتع بقوة كافية لردع أعدائها من مهاجمتها.
الثاني: أن تكون الحلم الموعود لا من الناحية الدينية فحسب بل من ناحية الطمأنينة والرخاء والازدهار وإذا لم يتوفر هذا الشرط فإنّ الحركة الصهيونية غير قادرة على جذب اليهود الأوروبيين أصحاب المشروع أصلاً وهم بدورهم يجذبون اليهود من الدول النامية.
نستطيع القول إنّ اليهود نجحوا في البداية في النقطة الأولى من خلال النكبة وبعدها النكسة ومن خلال التعاضد الكبير من كلّ الدول الكبرى وحتى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية وفي الشرط الثاني أيضاً من خلال حدوث الحروب خارج أرض (دولة إسرائيل) ومن خلال جلب الاستثمارات الغربية الكبيرة.
الحرب الدائرة اليوم قوّضت الأسس. أسقطت النقطتين. جيش العدو عاجز عن الانتصار في غزة كما في جنوب لبنان. مقولة الردع سقطت والمستوطنات المغتصبات مستباحة للصواريخ والطائرات الصغيرة بل للهجوم المباشر عليها كما حدث في السابع من تشرين الأول الماضي. جيش العدو لا يستطيع ردع إلا المردوعين أصلاً، أما الطمأنينة فقد نزحت مع النازحين من الشمال والجنوب ولاذت في الملاجئ مع الخائفين والازدهار كان أوّل الراحلين.
يدرك القادة عند العدو حجم الخطورة وانّ عوامل بقاء دولتهم قد سقطت أو ترنحت، لذلك كانت خطوتهم الأولى خطوة توراتية شمشونية: «عليّ وعلى أعدائي»، فزجّوا بثقلهم العسكري مرفقاً بكلّ الحقد والغضب… نكّلوا، دمّروا، قتلوا، استباحوا، رموا كلّ حقدهم وباطنهم اليهودي وكلّ مخزونهم ثم استعطوا، إلى درجة أنّ حجم القصف في أيام فاق الحرب العالمية الثانية في سنوات وعلى بقعة صغيرة.
كانوا وما زالوا يبحثون عن انتصار واضح مبين علّه بعيد بعض ما خسروه. أما خطوتهم الثانية فكانت الحرب البرية استكمالاً لنفس الغاية والتي اصطدمت بالعجز أيضاً. لا يمكن للعدو وقف الحرب لأنه بذلك يعلن فشله باستعادة الطمأنينة لمستوطنيه. يعتبر البعض أنّ نتنياهو لن ينهي الحرب خوفاً على مستقبله الشخصي والحقيقة أكبر بكثير. لا أحد يريد إنهاء الحرب وكلهم يتخبّطون، يبحثون عن مخرج بقيهم شر الهزيمة أوالتقليل منها.
وقف الحرب هو الدعوة للرحيل ولو تدريجياً الدعوة لمغادرة الحلم. تستطيع الولايات المتحدة مدّهم بأيّ سلاح يريدون وربما بالعسكر أيضاً لكن أحداً لن يعيد الى الحلم بريقه.
انتهى الحلم الجميل عند اليهود وبدأت الكوابيس تقضّ مضاجع الراكضين اللاهثين خلف مشاريع الصهيونية والامبريالية العالمية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى