مقالات وآراء

العلاقات السورية التركية بين الممكن والمستحيل

‭}‬ د. حسن مرهج*
خلال الأيام الماضية دأبت العديد من الأوساط السورية والتركية، بالحديث عن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيال استعداد بلاده لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية، مُعبّراً عن إمكانية إجراء لقاء مع الرئيس بشار الأسد على المستوى العائلي كما كان الحال عليه قبل القطيعة التي وقعت بين الجانبين في أعقاب اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وكان العامل الأبرز في تصريحات الرئيس التركي هذه المرة وصفه لبشار الأسد بـ «السيد» لأول مرة منذ قطع العلاقات بين أنقرة ودمشق عام 2012.
حقيقة الأمر أنّ استخدام أردوغان هذه المرة كلمة «السيد الأسد»، يُعدّ تطوراً لافتاً على مستوى الخطاب الإعلامي للرئاسة التركية، والأهم أن أردوغان ومن خلال التصريحات التي أدلى بها للصحافيين في إسطنبول، لا تفتح الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق فحسب، بل إلى رفعها أيضا إلى مستوى اللقاءات العائلية على غرار اللقاءات التي جرت في فترة ازدهار العلاقات التركية السورية قبل نحو عقدين، والامر اللافت أيضاً أن الرئيس التركي شدد على أنه «كما التقى في الماضي مع السيد الأسد وكانت هناك لقاءات عائلية، فإنه من المستحيل تماماً أن نقول إن ذلك لن يحدث في المستقبل».
في سياق تصريحات الرئيس التركي الأولى من نوعها، ثمة تساؤلات حول إمكانية تجاوز أنقرة حاجز الشروط المسبقة التي يضعها الأسد أمام المبادرات الرامية إلى تطبيع العلاقات، فضلاً عن دوافع تركيا التي أعادت تسليط الضوء خلال الأسابيع الأخيرة على هذا المسار المتعثر، والذي تباطأ بشكل شبه كامل خلال العام الأخير، وهنا ينبغي الذهاب إلى ما قاله الأسد في وقت سابق إبان لقائه المبعوث الروسي في دمشق، إنه منفتح «على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى».
كل ذلك تزامن أيضاً مع حديث زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزيل عن إمكانية توجهه للقاء مع الأسد بمفرده من أجل حل مشكلة اللاجئين في تركيا، والتوسط بين الأسد وأردوغان، وهنا يبدو سياق عودة العلاقات السورية التركية أكثر وضوحاً، فـ التصريحات جاءت في أعقاب خروج تركيا من الفترات الانتخابية، التي كانت تشهد زخماً في الحديث عن ملفات اللاجئين والتطبيع مع الأسد لجذب الناخبين، وهو ما يشير إلى عزم أنقرة للمضيّ قدُماً هذه المرة في ملف التطبيع إلى مستويات غير مسبوقة، وفي ذات الإطار، وما يعزز إمكانية عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، أن أردوغان لم يتطرق في تصريحاته إلى شروط الأسد المسبقة التي تطالب أنقرة بسحب قواتها من شمال غربي سوريا قبل الحديث عن تطبيع العلاقات، وكان الرئيس التركي قال عام 2022، إنه «من الممكن اللقاء مع الأسد، لكنه يطالب بخروج تركيا من شمال سوريا، لا يمكن أن يحدث مثل هذا الشيء لأننا نكافح الإرهاب هناك».
إذن… ما الذي يدفع أردوغان إلى طرق باب دمشق مُجدداً، والبحث عن طريق يوصله للرئيس الأسد. واقع الحال يؤكد بأن هناك ملفات ضاغطة تدفع أنقرة نحو الأسد، ويمكن إيجازها بالآتي:
أولاً- تقويض نفوذ الوحدات الكردية، إذ تسعى أنقرة إلى التعاون مع الأسد لتعزيز جهودها الرامية للقضاء على نفوذ الوحدات الكردية وقوات سورية الديمقراطية «قسد» في الجانب الآخر من حدودها مع الأراضي السورية، لا سيما بعد إعلان الإدارة الذاتية عن عزمها إجراء انتخابات محلية في شمال شرقي سورية، وهو الأمر الذي ترفضه تركيا بشكل مطلق وتراه انعكاسات لمساع تهدف إلى إنشاء «دويلة إرهاب» على حدودها.
ثانياً- ملف اللاجئين: تسعى أنقرة إلى التوصل إلى حل ينهي أزمة اللاجئين، لا سيما أن هذا الملف استخدم من قبل أحزاب المعارضة التركية في كل استحقاق انتخابي كـ»ورقة رابحة» ضد الحكومة تمكنها من جذب أصوات الناخبين المناهضين لوجود اللاجئين السوريين.
ثالثاً- الملف الإقتصادي: يبدو واضحاً أن مؤشرات الاقتصاد التركي تشير صراحة إلى مستويات كارثية، جراء تدخلات تركيا الإقليمية وتحديداً في سورية، وتوسيع رقعة تدخلاتها بما انعكس سلباً على الاقتصاد التركي خاصة في سورية، فـ أردوغان وجراء دعمه الارهاب في سوريا، وانشاء العديد من الفصائل الإرهابية، فقد كانت هناك ميزانية إقتصادية ضخمة لتلك الفصائل، وهذا الأمر جاء باعتراف كبار الساسة الأتراك، والذين طالبوا أردوغان بالتخلي عن هذه الورقة، وبعودة العلاقات مع دمشق، الأمر الذي سيساعد الاقتصاد التركي وتوسيع بيكار تحركاته من سوريا وعبرها إلى العالم.
كل ذلك يضاف إليه أمر في غاية الأهمية، أن أردوغان سقط في تحديه الإستراتيجي ضد دمشق والأسد، ويدرك بأن عودة العلاقات مع الأسد، ستساعده في تعديل خططه الإستراتيجية، وهنا لا يمكن لأحد أن ينكر أيضاً حاجة دمشق إلى عودة العلاقات مع أنقرة، وتحديداً في هذا التوقيت الذي يعاني فيه السوريون من واقع اقتصادي مزرٍ.
ختاماً، ثمة مؤشرات عديدة تؤكد بأن أردوغان فعلاً قد بدأ بهندسة طريقه نحو دمشق، فقد بدأت في شمال سورية انسحاب بعض الوحدات العسكرية التركية، وأعادات تمركزها قرب الحدود، كما أن إعادة افتتاح معبر أبو الزندين في ريف حلب، يشي صراحة بأن هناك تغييرات بدأها أردوغان، وستوصله إلى دمشق وأسدها، وسيكون اللقاء السوري التركي بتوقيت دمشق.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى