مقالات وآراء

ما سر تراجع نبرة الخطاب «الإسرائيلي» في التهديدات تجاه لبنان؟

‭}‬ رنا العفيف
تتسارع الأحداث والتطورات بالكمّ والنوع من الناحية السياسية والعسكرية والميدانية بشكل ملحوظ ولافت وسط وتيرة التصعيد بين حزب الله و»إسرائيل» على خلفية وقف العدوان على غزة ومواصلة الاحتلال ارتكاب المجازر في حق شعبنا في فلسطين المحتلة، فما سرّ تراجع نبرة الخطاب «الإسرائيلي» بالتهديد والوعيد تجاه لبنان؟ هل هو مقدمة لحلول دبلوماسية أم لتخفيف حدة التصعيد؟
تراجع في نبرة التهديدات الإسرائيلية، بشنّ حرب على لبنان، وجامعة الدول العربية تتراجع عن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، طبعاً جاء قرار جامعة الدول العربية تجاه حزب الله ضمن أطر الحرب على سورية وتمّ استخدام ذلك في التحريض العبثي والممنهج ضد حزب الله وسورية لأسباب وأهداف سياسية منوط بها لتحقيق أهداف الليبرالية الصهيونية في المنطقة ليس فقط في لبنان وسورية والعراق واليمن وفلسطين وإيران، وقد يكون وراء هذا التراجع ملف سياسي قابل للتفاوض كحلّ دبلوماسي يخفف من وطأة التصعيد بين حزب الله والكيان الذي يتوعّد بشنّ عدوان واسع النطاق على لبنان، ولكن كلّ الخبراء السياسيين والعسكريين في الكيان الإسرائيلي أجمعوا على كارثية الحرب مع حزب الله لأسباب سأتطرّق إليها في هذا المقال، ولكن اللافت في هذه الجزئية المرتبطة بقرار الجامعة هو أن لم يعد تسمية حزب الله منظمة إرهابية، إذ يبدو كان في حسابات الدول التي حرّضت على هذه الخطوة مآلات مرتبطة بظروف الحرب على سورية لم تعد موجودة أو منتهية صلاحيتها أو لم يعد لها جدوى بعد أن ظهرت خيوط المؤامرة وتكشفت أوراقها للقاصي والداني وذلك من خلال معركة طوفان الأقصى الذي له دور أساسي وبارز في خلفيات الحرب على سورية ولبنان، وفقاً لمعطيات ومسار ما أثبته تحرك جبهات الإسناد ودعم حزب الله وباقي محور المقاومة بما أطلقوه والتزموا به تجاه القضية والدفاع عن القدس وإلى جانب القضية الفلسطينية حيث يحط رحال أهمّ الإنجازات السياسية والعسكرية والأمنية والاستخبارية والميدانية والإعلامية والافتراضية والثقافية بالصوت والصورة والكلمة التي تخوضها جبهات المحور بأنواع مختلفة في التكتيك والتخطيط والدك هذا من ناحية .
وبالعودة إلى الأسباب التي ذكرت أعلاه في عملية التراجع والسر الذي يقف خلف هذا الأمر يكمن في الإرهاق الذي يصيب جيش الاحتلال بسبب قتاله لتسعة أشهر في غزة من دون تحقيق أهداف استراتيجية، أيضاً خبراء ورؤساء مجالس مستوطنات ووسائل الإعلام الإسرائيلية يتحدثون عن عدم جاهزية الجبهة الداخلية للحرب مع لبنان بعدما تأكدت لهم بالوثائق القدرة العسكرية وترسانة حزب الله الضخمة مع تصوّر حجم الدمار المتوقع في أيّ مواجهة مفتوحة معه، وكذا القلق الأميركي والأوروبي الدولي من احتمال تحوّل الحرب مع لبنان إلى حرب إقليمية ستؤثر حكماً على الأمن الدولي بشتى الاتجاهات وأبرزها الاقتصادية في العالم أجمع، لذلك كان تراجع منسوب التهديدات الإسرائيلية بالحرب على لبنان تزامن أيضاً مع مؤشرات إضافية توحي بتوجه عربي مدعوم برغبة دولية لفتح مسار للحوار الشامل تستدعي لقاءات مباشرة مع مسؤولين في حزب الله، هذا أيضاً أمر جاء للضرورة السياسية الملحة في التراجع عن خطوات اتخذتها جامعة الدول العربية وتتعلق بحزب الله لأسباب تزعم أنها منطقية تستدعي للكثير من الخطوات المتسارعة في ظلّ استمرارية العمليات العسكرية لحزب الله في جبهة الجنوب دعماً ونصرة لغزة، وكان الجميع منهم يعلم أنّ انخراط حزب الله في هذه المعركة سيشكل نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ السياسة العالمية بالرغم من انتقادات البعض له إسوة بأسياد الشر في العالم، إلا أنّ حزب الله كانت لديه مرونة تكتيكية في التعاطي مع نماذج سياسية وإقليمية بطريقة ذكية استطاع من خلاله فكّ أعتى الرموز والشيفرة السياسية والأمنية والإستخبارية بإتقان ما كان يُحاك لسورية ولبنان معاً، وبالتالي نتائج إدارة المعركة السياسية بدأت تتبلوَر بعد الإفلاس السياسي للأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الذين انخرطوا بشكل سري وعلني منهم مع الولايات المتحدة والإسرائيلية للقضاء على حماس فتبيّن أنّ القضاء على غزة متواصل بهدف إخلاء سكانها وتهجيرهم وقتلهم بالحيث تصبح غزة منطقة غير صالحة أو مأهولة للسكن، ومن هذا المبدأ ومجريات الأحداث التي تحصل في غزة نكون أمام استنتاجات ذات طابع عملي يأخذ بعين الاعتبار بأن لدى الولايات و»إسرائيل» خطابين لا يمكن لأيّ منهما أن يأخذ بعين الاعتبار والجدية، بمعنى أنّ الولايات تقول وتصرّح بأنها لا تريد التصعيد ولا تريد توسيع رقعة الحرب ولا توجد نية باجتياح رفح وإلى ما هنالك ونشاهد غير ذلك أيّ تقول شيء وتفعل عكس ذلك، وربما يأتي الحلّ الدبلوماسي لأهداف قد تعدّ له الولايات المتحدة و»إسرائيل» على خلفية شن الهجوم على لبنان، باعتبار التوقيت غير مناسب لهم وهذا وارد جداً لماذا؟ لأنّ الحلّ الدبلوماسي المطروح في الوقت الحالي وما تفضله الولايات وربيبتها قاب قوسين أو أدنى من الشروط الإسرائيلية الغير قابلة للتنفيذ بالحلّ العسكري لأسباب تتعلق بالانقسامات والازمات، وبالتالي «إسرائيل» في مأزق كبير لا هي قادرة على اتخاذ خطوة عسكرية باتجاه لبنان ولا هي قادرة على الإنسحاب، بعد أن سقطت نظرية العقيدة الأمنية أو الردعية التي كانت تقوم بها في السابق، لذلك في الآونة الأخيرة لاحظنا أنها كانت تستخدم التحدي أكثر من التهديد وهي عملياً وفعلياً غير قادرة على التعايش مع أيّ طرف عربي ليس الأمر محصور بحزب الله فقط في المنطقة، هذا الأمر جعل «الإسرائيلي» يدخل في دوامة حساب المخاطرة التي يتعلق بمبدأ «إسرائيل» في أن تتخذ خطوة عسكرية غير قابلة للعمل في الوقت الحالي وهم يعلمون جيداً بأنّ الانتظار ولو طال هناك حرب مفتوحة مع حزب الله وأيقن علم اليقين بأن تراكم قوة حزب الله ليست من مصلحتهم، وبالتالي العامل الزمني أو التوقيت مهمّ جداً لهم وإنْ حصلت خطوة عسكرية تجاه لبنان فستكون مكلفة جداً ضمن أطر حساب المخاطر، لذا هم يلجأون للأميركي وبعض الأنظمة العربية ويعدّون للاجتماعات هنا وهناك لتنفيذ مخططات بالرغم ما من شيء يتغيّر لديهم والخلاصة في الموقف الإسرائيلي فاضحة لدرجة أنّ التراجع عن حدة خطاب التهديد وما تحدث به غالانت مؤخراً من الولايات المتحدة وتصريحات واشنطن المحيّرة المنحازة لجهة مصالحها وقلقلها الأكبر في تحقيق إنجاز واحد على الأقلّ يبرر السلوك الإجرامي الإسرائيلي لتنقذ ما تبقى من هيمنتها، هذه الرمادية تجعلنا نكون أكثر دقة في تشخيص الموقف الإسرائيلي تجاه شنّ حرب مع لبنان نظراً للاستعدادات والرسائل النارية الردعية لحزب الله، لطالما هي معركة كر وفر ولا ثقة في سياسة البيت الأبيض، ورأينا ذلك من خلال الدعم المستمر لـ «إسرائيل» في مواصلة حرب الإبادة وربما واشنطن فقدت السيطرة على القرار الإسرائيلي المموّل عربياً وأوروبياً وأميركياً تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، فكانت الوسيلة الأنجع هي البحث في سبل إبعاد حزب الله عن مساندة غزة، و»إسرائيل» لا يؤتمن لها نظراً لتهجير لمستوطنين هرباً من صواريخ حزب الله وهذا ما لا يسكت عنه نتنياهو لإرضاء حكومته، لذلك من المحتمل أن نشهد مواجهة عسكرية ولو طال الانتظار تحت غطاء سياسي معيّن وهنا ستكون مفاجئة كبرى لمن يخطط لأيّ عدوان على لبنان لأنها ستكون مكلفة نظراً أيضاً للتقارير الإسرائيلية التي تكشف اختلافات واضحة الوتيرة في احتمال أيّ سيناريو قد يعدّ له الكيان بشكل جنوني لتحقيق إنجاز يرتجى له بحسب سياستها العنصرية وتطبيقها الممنهج للسلوك الإجرامي والوجه الحقيقي للحقد الإسرائيلي على العرب في المنطقة في خضمّ معركة المصير والنزعة الصهيونية بعد فقد شرعية وعد بلفور وكامب ديفيد التي تزعم بإنشاء «إسرائيل الكبرى».
احتمالات الحرب الذي يشغل العالم في حقيقة الأمر لا يمكن الإجابة عليه رغم توفر المعطيات، وليس من مصلحة أي طرف، ولكن إذا فرضت ستكون بلا ضوابط قد يقول قائل هناك انقسامات وضغوطات داخلية هذا صحيح ولكن العدو الإسرائيلي يركز ويعتمد على نقطة في بنك الأهداف ليحقق إنجازات مستميت عليها ولو كانت تكلفتها عالية، وهذا ضمن الحسابات الخاطئة إذ يربط حزب الله جبهة الشمال بوقف العدوان على غزة؟ و»إسرائيل» تسعى جاهدة لجر الولايات إلى حرب في المنطقة واسعة وتتحدث عن مرحلة ثالثة تفي باحتلال القطاع لسنوات طويلة من خلال السيطرة الجوية والممرات الأمر الذي يجعلنا لا نركن أي تصريح لها، وعلينا أن نتابع على أرض الواقع بدقة وإلا سنتفاجأ بعدوان إسرائيلي، بالرغم من كثرة التحليلات بأن الإسرائيلي لا يجرؤ على اتخاذ هكذا خطوة، إلا أن رأينا مراحل كثيرة بالتفاوض دون جدوى وكانت عبارة عن مماطلة للوقت، أيضا من وجهة نظر أخرى لطالما الإسرائيلي يمتلك عقلية الاستكبار والتغطرس وهو عمليا لا يقبل بقوة عسكرية كبيرة على خاصرته ويطلق التهديدات ضدّ لبنان حزب الله ولا يستطيع خوض معركة كبرى لأنّ كلفة الحسابات ستكون عالية والمردود صفر، وبالتالي تكون أغلب التهديدات هي لردع حزب الله لوقف جبهات الاسناد وهذا مستحيل ما لم تطلبه المقاومة الفلسطينية وفي حال شن الإسرائيلي عدوان ستلحق بالإسرائيلي خسائر جمة وكبيرة والخطوة التمهيدية تلك التي يرسلها حزب الله بالنار والعبرة لمن اعتبر في خضمّ أي متغيّر سياسي أو عسكري سيحصل سيضطر حزب الله لأخذ قرار عسكري قد يفاجئ العدو وداعميه به، فمتى يأتي الضوء الأخضر الأميركي لا نعلم ما نعلمه هناك جس نبض باستهداف البنية التحتية للبنان والقدرات العسكرية لحزب الله جميعها في حالة تأهّب واستعداد، لا سيما أنّ تعزيز القدرات العسكرية والتسليحية والقتالية بالإضافة للترسانة العسكرية التي تحمل أعتى وأضخم السلاح النوعي المتطور وهذا ربما يشكل مفاجأة في أيّ حرب مقبلة، وعليه لكلّ سلاح له اختصاص تقنية تكنلوجية متطورة قادرة على اختراق تحصينات والمنصات الإسرائيلية، ومنها صواريخ أرض ياخونت الروسية القادرة على تدمير المنصات البحرية الاسرائيلية ومنظومة الصواريخ الدقيقة أو الذكية بالإضافة إلى المسيرات وسلاح الدفاع الجوي ورأى الإسرائيلي وتابع الفيديوات التي بثتها المقاومة الإسلامية في لبنان ورأى منظومة «ثأر الله» للصواريخ الموجهة، أيضاً السلاح المضاد للدروع وغيره الكثير وكلّ سلاح له تأثير في الحرب لكن بنوعية مختلفة مع زيادة النطاق والتنويع في العتاد والأسلحة والصواريخ التي يتجاوز مداها 300 كيلومتر مثل صاروخ «فاتح» بنسخته الجديدة المتطورة وهي صواريخ يمكنها الوصول للعمق الإسرائيلي وضرب أهداف استراتيجية، لكل صاروخ ميزاته وأهداف بحسب رغبة حزب الله في التنويع بالمدى القريب والبعيد، خاصة أنّ حزب الله بارع في العديد من المزايا التكتيكية بما في ذلك تنويع الأهداف بالصواريخ القصيرة المدى وذلك لاستهداف المنشآت العسكرية القريبة من المناطق الحدودية والتهديدات المباشرة والصواريخ المتوسطة المدى تسمح بضرب المدن الكبرى والبنى التحتية والأهداف العسكرية البعيدة والصواريخ الطويلة المدى قادرة على ضرب أهداف استراتيجية حيوية في العمق مع مراكز الحضرية الكبرى التي توجد فيها قواعد عسكرية وبالتالي هي ترسانة عسكرية لا تعدّ ولا تحصى فيها كلّ أنواع الصواريخ ومداها المختلفة في ضربات منسقة وجاهزة لأيّ هدف معاد، وقالها السيد حسن نصر الله في حال شن الاسرائيلي عدوان على لبنان فستكون مشاهد تفجير آليات ومقار الاحتلال مباشرة على الهواء ولم يدرك الكثيرون ماذا يعني هذا الكلام، أيضاً عندما قال أنّ لدى حزب الله معلومات كافية عن مواقع استراتيجية إسرائيلية على مساحة الكيان وإنه قادر على استهدافها وذلك ليس مجرد كلام في الميدان، ويأخذ الكيان بهذا الكلام وكأنه واقع ملموس، لكن المواجهة المقبلة ستؤكد بأنّ كلّ ما قاله السيد نصر الله دقيق وصادق وبات هذا يسبّب قلقاً إسرائيلياً مستداماً وفهم الكيان الرسالة جيدا وشاهد مسؤولوه بأمّ العين دقة المعلومات، هذا الأمر سيكون له تأثير على الأمن الدولي بشكل مباشر والإسرائيلي اليوم أمام حالة مفصلية غير قادر على استيعابه…
كلّ هذا الفشل الذريع في غزة وفي جبهة الشمال فالجنون وارد وردات الفعل واردة مع فتح سقف جميع الاحتمالات منها السلمي ومنها الحربي ليكون السر في خفض حدة التهديدات له خلفيات مشبوهة يشك بها بالرغم من انّ واشنطن تدرك أنّ سياسة نتنياهو تقوم على إطالة أمد الحرب حتى ينجو، كما تعلم أنّ إخفاق جيش الاحتلال في غزة سيدفع نتنياهو لتوسيع الصراع وإشعال المنطقة، وتعلم علم اليقين بأنه من دون الأسلحة الأميركية والدعم المطلق فيها لن يستطيع خوض أي مواجهة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى