هل بلغ جيش الاحتلال حافة الانهيار؟
ناصر قنديل
في مقالات عديدة من هذه الزاوية تمّت معالجة معادلات الفيزياء السياسية مثل فقدان قوة الاندفاع، وبلوغ اللحظة الحرجة، وتطبيقها على الحالة التي يواجهها كيان الاحتلال وجيشه في المواجهة مع قوى المقاومة ومحورها، حيث كل الخطوط البيانية لنسبة التلاحم مع البيئة الداعمة والحاضنة تشير الى تدهور هائل على ضفة الكيان مقارنة بـ التماسك والتلاحم على ضفة قوى المقاومة. ومثلها تراجع الأداء العسكري والمهارة والحيوية الميدانية والروح القتالية بالنسبة لجيش الاحتلال وعكسها بالنسبة للمقاومة، إضافة الى القدرة على تعويض الخسائر البشرية والمادية ومراكمة فائض منها على ضفة المقاومة واستنزاف قاتل على ضفة جيش الاحتلال،. وخلصنا من هذه المقارنات الى استنتاج يقول بأن الاتجاه هو بلوغ جيش الاحتلال في هذه الحرب المفتوحة ما يُسمّى بـ اللحظة الحرجة.
اللحظة الحرجة في الفيزياء هي اللحظة التي تبلغ فيها التراكمات الكمّية مدخلاً لظهور التحول النوعي، مثل بلوغ درجات حرارة المياه لحظة الغليان وبدء عملية التبخر. وهي في حال الجيوش بلوغ اللحظة التي لا يعود فيها ممكناً إخفاء تأثير العيوب الناجمة عن فقدان قوة الاندفاع بنسبة تتجاوز الـ50% ودخول مرحلة التآكل والاهتلاك، وبدء ظهور علامات الانحلال على الوحدات العسكرية، وضعف الأداء، وترك المواقع، وفرار الجنود، ونقص العدد اللازم لخوض المعارك في الوحدات، وفقدان الاختصاصات اللازمة لاكتمال هذه الوحدات، وغياب الحماسة والحيوية والروح القتالية في مواجهة لحظات الاصطدام والاشتباك، وعندها تنتقل الجغرافيا من يد الى يد، ويبدأ جيش الاحتلال بالتخلي عن الجغرافيا طوعاً ترجمة للعجز، دون وجود ضمانة بأن المقاومة لن تملأ هذا الفراغ.
لم تنفع التهديدات كما لم تنفع العروض والإغراءات بتجميد مفاعيل جبهة الإسناد الحاسمة التي يمثلها دور حزب الله على جبهة لبنان، وصار حلّ كل المشاكل الناجمة عنها مربوطاً شرطياً بإنهاء الحرب على غزة. وفي غزة تبدو المقاومة تمسك بزمام المبادرة في الميدان، وهكذا تتحول معركة رفح من فرصة الى عبء حيث لا يتحقق عبرها الوعد المنتظر بالنصر الحاسم. ولم تبق في الجعبة بدائل يجري الحديث عنها لمواصلة العمل العسكري الكبير. وليس خافياً أن المقاومة كمحور وصلت الى قناعة بعدم كفاية ملف الأسرى في إنتاج معادلة جلب حكومة كيان الاحتلال الى التفاوض المجدي لإنتاج اتفاق يلبي شروطها، وبعدما قدمت تأكيدات على إيجابيتها التفاوضية مع قبول عرض 6 أيار الماضي، وتحرّرها من القلق من التدحرج إلى الحرب الكبرى بعد الردّ الإيراني الرادع في 14 نيسان الماضي، والهروب الإسرائيلي من الرد على الرد، والقرار الأميركي الحاسم بتقبل الانكفاء أمام الحضور الإيراني المهيمن على صورة الردع الاستراتيجي في المنطقة، وبناء على هذه العناصر الثلاثة، ضعف فعالية ملف الأسرى في حسابات نتنياهو، وتراجع مكانة تفادي الحرب الكبرى في حسابات المقاومة، وامتلاك نص قابل للتحول إلى مشروع اتفاق جاء من الوسطاء، انتقلت قوى المقاومة الى منهج جديد يقوم على دفع جيش الاحتلال إلى اللحظة الحرجة، اي حافة الانهيار، كطريق وحيد لفرض التفاوض المجدي، باعتبار أن الرأي العام الدولي لا يردع حكومة بنيامين نتنياهو في ظل تواصل الدعم والحماية من واشنطن، وأن الاحتجاجات الداخلية لا ترغم نتنياهو على التفاوض المجدي في ظل الإمساك بأغلبية كافية في الكنيست، وبالتالي يبقى طريق وحيد لجلب الكيان إلى تفاوض ينتهي باتفاق جيد وومجدٍ، هو دفع الجيش الى اللحظة الحرجة.
خلال شهرين منذ 6 أيار وحتى الليلة، تعرّض جيش الاحتلال لكميّة من الهجمات المؤذية وخسر العشرات من الآليات والمئات من الجنود والضباط، وترنّحت صورته كجيش مقاتل بنظر المستوطنين، وبدأت ملامح التحوّل الذي سعت إليه المقاومة، فخرج الجنرالات عبر الصحف الأميركيّة يتحدّثون عن اتفاق تبادل ينهي الحرب ويبقي غزة تحت سيطرة حماس، وخرج الناطق بلسان الجيش يقول إن القضاء على حماس ذرّ للرماد في عيون الإسرائيليين وهدف مستحيل التحقق، وظهرت التجاذبات علناً بين أركان حكومة نتنياهو وقادة المؤسسات العسكرية والأمنية، وباتت الأمور بين خيارين، الخيار الأول هو ظهور ضعف المؤسسة العسكرية والأمنية ورضوخها لطلبات الحكومة رغم العجز عن تنفيذها. وهنا كانت المقاومة معنية بدراسة الانتقال إلى بدء الهجوم المعاكس لاستعادة جغرافيا قطاع غزة بعمليات شبه نظاميّة تطرد جيش الاحتلال منها بالقوة، أما الخيار الثاني فهو نجاح المؤسسة العسكرية والأمنية بدعم أميركي بتفادي الانهيار، عبر الضغط لحل تفاوضي ينهي الحرب وترضاه المقاومة.
ما يجري الآن يدعو للتحقق من بلوغ جيش الاحتلال اللحظة الحرجة.