أولى

اليوم التالي للتحرير وليس اليوم التالي للحرب…

‭}‬ د. جمال زهران*
منذ الأسبوع الأول، عقب الحدث الكبير والضخم وغير المسبوق في السابع من أكتوبر 2023م (طوفان الأقصى)، واندلاع حرب الإبادة الجماعية (Genocide)، التي قام بها الكيان الصهيوني، والآلة الإعلامية الصهيونية وتوابعها في الوطن العربي الموجهة من النظم الرسمية الحاكمة التي تعمل في خدمة المستعمر الكبير (أميركا)، وفي خدمة الكيان الصهيوني (التابع الاستعماري)، يشيع السؤال الغريب وهو: ماذا بعد انتهاء الكيان الصهيوني من حربه التدميرية ضد غزة؟ ماذا سيحدث.. وماذا يرتبون لإدارة أو احتلال أو حكم غزة؟! فلم يبحثوا عن محاسبة هذا الكيان وقادته وفي مقدمتهم النتن/ياهو، ولم يبحثوا عن الإعمار وتكلفته، ومن يتحمّل ذلك؟! ولم يبحثوا عن حقوق الشهداء والمصابين؟! ولم يبحثوا تكلفة حياة التشرد الذي عاشها – ولا يزال – الشعب الفلسطيني في غزة، وحياة الجوع، وحياة الحصار العمدي، عبر (17) عاماً منذ عام 2007م؟! ولم يبحثوا عن الدمار العمدي للبشر والحجر، على أيدي الكيان الصهيوني، والمدعوم مباشرة من أميركا؟! بل إنهم بحثوا عن: من يدير غزة بعد انتهاء الحرب وانتهاء حماس والمقاومة بالتالي؟!
وهؤلاء الذين أشاعوا ويشيعون ذلك حتى الآن… وإنْ كان الصوت قد انخفض، نتيجة الفشل المذل لجيش العدو الصهيوني، وفشل المؤامرات التي تشارك فيها النظم العربية الحليفة لأميركا والصهاينة، وخاصة التهجير وصفقة القرن؟! فإن هؤلاء، أشاعوا ذلك، على خلفية أن العدو الصهيونيّ، سينتصر، وسيدمر غزة، وسيتم ترحيل شعب غزة إلى سيناء، وستخلو غزة تماماً، وسيدخلها حيش احتلال العدو الصهيوني، وسيكون قد قضى على حماس والمقاومة، وأصبح الجو خالياً، إلا من هيمنة صهيونيّة على المكان وكأنه بلا أصحاب!! وبالتالي انجرفت النظم الحاكمة تساند ذلك، صمتاً، أو مشاركة، حتى وصل الأمر وبدون خجل، أن التقى قائد القوات المركزية الأميركية في الإقليم، برؤساء أركان خمس دول عربية مع رئيس أركان جيش العدو الصهيوني، في المنامة (عاصمة البحرين)، منذ أسبوعين، ودون بيان رسميّ صدر قبل أو بعد اللقاء، وكان اللقاء سرياً، ولكن تمّ تسريبه!! إلا أن المؤكد أنهم قد تباحثوا في ترتيبات ما بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتمكين الكيان الصهيوني من قطاع غزة، ودور الجيوش العربية الخمسة في دعم ذلك، وهي: الجيش المصري، والجيش الأردني، والجيش السعودي، والجيش الإماراتي، والجيش البحريني؟! وإلا لقالوا ما هو سبب مثل هذا الاجتماع، في الوقت الذي يمارس فيه هذا الجيش الصهيوني، شهوة القتل العمدي للمدنيين، والتدمير العمدي لمنشآت غزة، واحتلال رفح، وعلى الحدود المصرية ورفع العلم الصهيوني على رفح الفلسطينية، اللصيقة بالحدود المصرية، وفضلاً عن هدم معبر رفح الفلسطيني تماماً؟! فلماذا يجلسون مع رئيس أركان هذا الكيان، وفي جلسة يترأسها، قائد المنطقة المركزية الأميركية؟!
إنّ دل ذلك، فإنما يدلّ على مدى التواطؤ، غير المبرر على الإطلاق، إلا أنهم يتباحثون في إنقاذ الكيان الصهيوني، بما يرتبط باستمرارهم في كراسيهم، وكذلك يرتبون لما بعد انتهاء الحرب والتخلص من المقاومة، ودعم تمكين الكيان من غزة والسيطرة عليها، أو المشاركة في تكوين جيش موحّد كغطاء عربي لما بعد انتهاء الحرب واحتلال غزة، كما يُشاع!
وفي تقديري فإن كل هذا مآله الفشل الذريع، ويواجه كل يوم فشل أي خطوة، أو حديث في هذا السياق، حتى الجسر الأميركي كميناء في شواطئ غزة، عصف به القدر، بعاصفة أودت به، وراحت مئات الملايين من الدولارات هباءً منثوراً، ولله الحمد والشــكر، فهو مع غزة وشعبها. ولذلك فإن السؤال: ماذا بعــد انتهاء الحــرب الصهيونية على غزة، واحتلال الكيان لها؟ هو سؤال خاطــئ، روّج له العدو الصهيوني الأميركي، ومؤيّدوه، وعملاؤه، إنما السؤال الصحيح هو: ماذا بعد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإقامة دولة فلسطين الحرة؟ هو السؤال الصحيح، وعلينا بالاستعداد للإجابة عليه.
وقد سبق أن كتبت.. بضرورة الدعوة إلى الاستعداد والإعداد لما بعد تحرير، فلسطين من المحتل الأميركي الصهيوني الغاصب والمحتل. فهذه معركة التحرير الكبرى، بعيداً عن الفاعلين والمحرّكين والخالقين للحدث والأحداث في المقاومة، حيث إن «طوفان الأقصى»، لم يكن يوماً فقط حدث بشكل عابر، في تاريخ المقاومة، بل هو منظومة مقاومة متكاملة، بدأت في السابع من أكتوبر ولن تتوقف أو تنتهي إلا بتحرير فلسطين والقدس، وإقامة الدولة الفلسطينية. وقد استقر أن ذلك من واقع أحاديث زعماء المقاومة (إسماعيل هنية)، قائد حماس، ومن واقع خطابه الأول و(زياد نخيلة) قائد الجهاد، وأحاديث باقي قيادات المقاومة، وكذلك خطب السيد حسن نصر الله، سواء في خطابه الأول بعد أسبوع من «طوفان الأقصى»، حيث تبنى نهجاً هو «التصعيد التدريجي»، وصولاً إلى «التصعيد الاستراتيجي الشامل»، وهو الحادث الآن. فجميع خطب زعماء المقاومة وساحات المقاومة (لبنان – العراق – اليمن)، وقائد محور المقاومة (الجمهورية الإيرانية). فالموقف الآن تمثل في انتصار المقاومة ومحورها، في مواجهة الكيان الصهيوني، وأميركا الداعمة الأولى والمنغمسة حتى النخاع في هذه المعركة التي امتدت إلى نحو (9) أشهر بالضبط! في الوقت نفسه، فإن الكيان الصهيوني وأميركا، يواجهان الهزيمة ويعيشونها، ولم يستطيعا تحقيق أي انتصار في أي مسار وهدف حدّداه مسبقاً!
فالمطلوب أن نتحدّث عن المنتصر، وعما سيفعله بعد القضاء الكامل على خصمه. فالمعركة بدأت بطوفان الأقصى، واستمرت (9) أشهر، ولن تنتهي إلا بالانتصار الساحق لمحور المقاومة، ومحو الكيان الصهيوني بالكامل من المنطقة بعد تفكيكه وانهياره، وهروب قياداته وزعمائه الجبناء، إلى بلادهم الأصلية، إذا تمكنوا من الفرار.
لذلك، كنتُ سعيداً، بأن منتدى التفكير الاستراتيجي، الذي يقوده المفكر العروبي المقاوم أ. ناصر قنديل، عندما استضاف في آخر جلساته يوم الجمعة 21 يونيو (حزيران) لمدة ساعتين، السيد إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحماس). وشاركنا بكلمة له استمرّت نحو الساعة، ووردت في حديثه نقاط هامة للغاية، ولكن أهمها الذي أسعدني، بأنني سبق أن دعوتّ بما قاله نفسه في المنتدى، حيث إنه يدعو المشاركين في المنتدى (الأعضاء)، بأن يتحدثوا ويكتبوا عما بعد التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر، ونهاية الكيان الصهيوني. فهذه قمة الشعور بالنصر لمحور المقاومة كاملاً وعلينا الاستعداد لذلك. فالمعركة الكبرى بدأت ولن تتوقّف إلا بالنصر الكامل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإنهاء الوجود الصهيوني في المنطقة، وفي حديث آتٍ، يمكن الحديث عما يجب أن نقوله، الآن وليس غداً، عن ما بعد التحرير.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى