مقالات وآراء

«نصر» الكيان الموهوم وسراب نتنياهو

‭‬ وفاء بهاني

مع دخول المواجهات في غزة شهرها العاشر دون تحقيق أيّ إنجاز أو انتصار أو نجاح للكيان الصهيوني المحتلّ، ترتفع نسبة خسائر العدو بالأرواح والعتاد والمعدات وتتسع رقعة الأزمات الاجتماعية داخل الكيان الصهيوني في ظلّ تصاعد وتيرة المواجهات على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، فنتنياهو المتطرف يرغب في تحقيق «صورة نصر» حتى لو كان زائفاً، إشباعاً لرغباته الشخصية المتطرفة، ولكن يبدو أنه عاد بخفي حنين!
ففي حسابات الكيان الصهيوني يجب أن تكون هناك حكومة راضخة لأوامره في الضفة الغربية والضغط على لبنان سياسياً عبر تكثيف البعثات الأميركية والأوروبية الديبلوماسية للتخفيف من حدة عمليات المقاومة اللبنانية ومحاولة حصرها بمزارع شبعا المحتلة تمهيداً لفك ارتباط المقاومة اللبنانية وعملياتها بغزة وفلسطين وفصل المسارين للحؤول دون استمرار حرب الاستنزاف على الجبهة الشمالية. حيث انكشف عجز العدو عن فتح جبهات متعددة في وقت واحد، لا سيما مع تفاعل أزمة “الحريديم” وقضية التجنيد إذ لا يملك نتنياهو وجيشه المتهالك المزيد من الخيارات لإطالة أمد الحرب التي لم تحقق سوى المزيد من عمليات القتل والإجرام واستهداف المدنيين من أجل إثبات أنّ جيش العدو لا يزال قادراً على الردع، في حين أنه يخوض “معركة الدفاع وليس الهجوم”، وهي معركة لم تحقق له أيّ هدف من أهداف عمليته، لتقديمه لعوائل الأسرى كجرعة مسكنة في محاولة لتخفيف الضغط على حكومة نتنياهو داخلياً واستمرار العمليات العسكرية تحت عنوان استعادة الأسرى والقضاء على المقاومة وهو ما لم يتحقق، بل باتت حكومة نتنياهو كالظمآن الساعي وراء سراب لا هو قادر على ريّ عطشه ولا قادر على الوصول للماء، وبالتالي لن يكون مصيره إلا الهلاك.
إذن… من فشل الى فشل أكبر يمضي نتنياهو رئيس الحكومة الأفشل في تاريخ الكيان كما وصفه أحد المسؤولين السابقين لشكاوى الجنود، الجنرال إسحاق بريك، بقوله إنهم يعلمون جميعاً أنّ توقف الحرب يعني أن يُحاسَب هؤلاء المجرمون عما قاموا به من دمار، وخسارة لجنودهم، سواء القتلى، أو الجرحى الذين بُترت أطراف أغلبهم وأصيبوا بإعاقات دائمة، أو باضطرابات نفسية، أيّ أنّ استعادتهم للعمل العسكري مرة ثانية شبه معدومة من أجل الأهداف الشخصية فقط وليس من أجل مصالح الكيان الصهيوني.

المقاومة لا تزال في عزّ حيويتها، وتقوم بتدريب عناصرها وتعزيز قوّتها وفرض سيطرتها على ما يخليه الاحتلال من مناطق، وتلاحقه في المناطق التي يتوهّم أنه يسيطر عليها وتنفذ عمليات نوعية وبطولية، سيُكتب عنها في التاريخ العربي والعالمي، كما أنّ المقاومة تزيد عناصرها بضمّ أبطال جدد يعاهدون على النصر أو الشهادة، ففلسطين ولّادة للأبطال والشهداء إلى قيام الساعة، غير الأسلحة الجديدة التي بدأت تظهر في عمليات المقاومة الأخيرة وهو ما يعني إعادة هيكلة نظام التسليح وتجديده.
لم تعد معادلة العامة في الكيان من المتظاهرين وأهالي الأسرى هي عقد الصفقة وإرجاع الأسرى بل دخلت إلى المعادلة عناصر جديدة وهي رحيل نتنياهو والانتخابات المبكرة خاصة بعد أن بدأ أعوان نتنياهو بالانسحاب من جانبه لأنهم يعلمون أنّ نهايته السجن، بداية من حلّ مجلس الحرب المصغر، الى الاستقالات بالجملة من القادة الذين لا يقفون على الحياد فقط بعد استقالتهم بل يتكاتفون ضدّ نتنياهو، وعلى الرغم من ذلك جنون نتنياهو لم يرجعه عن العديد من القرارات الهوجاء التي تزيد وضعه سوءاً، بل أنّ قرار تجنيد الحريديم، بالإضافة إلى وقف تمويل المدارس الدينية التي ترفض التجنيد والمعاهد جعله يفتح جبهة جديدة للنزاع، وهو غير قادر على مواجهة هذه الجبهات الحالية.
ولكن ها نحن اليوم أمام قرارات وصيحات الكيان الصهيوني ونتنياهو التي لا تحقق أيّ نجاح على أرض الواقع، وهي المرحلة الثالثة التي سيقوم بها الجيش بغزة، وهي التي تشمل عملية انسحاب من المدن والمخيمات والتمركز في عدة مراكز منها حدود غزة مع مصر، وخط نتساريم بوسط القطاع، بالإضافة إلى الخطة الفاصل بين كلاً من غزة ومستوطنات الغلاف، وذلك من أجل كسب شر اللقاء مع المقاومة أو الاحتكاك مع الأهالي، لتهدئة الوضع العالمي الذي بات يحتقرهم، ويصفهم بأنهم مجرمي حرب.
ليس ذلك فقط بل فكرة سحب الجيش والجنود إلى الجهة الشمالية يعني أنهم يرغبون في فتح جبهة جديدة للحرب مع حزب الله في لبنان، والذي يرى الجميع من المحليين والعسكريين أنها خطوة غير مدروسة من الكيان، بل يصفها البعض بأنها انتحارية وذلك بسبب أنّ الجيش أصبح هشّ، نفسياً، وفي العتاد، حتى العدد لا يسمح له بأن يفتح جبهة حرب جديدة.
إنّ أكذوبة المرحلة الثالثة ما هي إلا بروباغندا إعلامية تطلقها وتروّجها القيادات الإسرائيلية، فيما الحقيقة ليست سوى تمهيد للهروب من المعركة، فالعدو لا يكاد يحصي الخسائر التي تلحق بجيش المتهالك، سواء بتفجير الآليات أو القنص، ما يؤدي إلى مشاكل نفسية للضباط والجنود والفرق التي خرجت فعلياً من الخدمة، فكانت أكذوبة “المرحلة الثالثة” لكي يداري الكيان الصهيوني فشله، وانسحابه، ولكن هذا المخطط لن تهتمّ بشأنه المقاومة بل ستستمرّ في تحقيق أهدافها واستنزاف هذا الكيان المغتصب وصولاً إلى زواله المؤكد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى