العراق والتحوّلات البَيْنِيّة في العلاقة مع واشنطن
محمد حسن الساعدي
لم يكن يسعى رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني في زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة الأميركية الى وهج إعلامي او التقاط صورة تذكارية في البيت الأبيض بقدر ما كان يسعى الى إحداث نقلة نوعية في العلاقة بين بغداد وواشنطن، وتحوّل عميق في هذه العلاقة وتجاوز مرحلة التركيز في الملف الأمني الذي سيطر على العلاقة منذ عام 2003، والذهاب نحو شراكات متعددة، في مجالات عدة…
لكن في البدء هناك حاجة ملحّة لإعادة الثقة بين الطرفين بما يحقق المصالح الاستراتيجية للعراق، حيث لا تزال هناك خلافات حادة بين الطرفين وأهمّها في طريقة الأداء وإدارة الملفات، ويبدو انّ السيد السوداني بدا أكثر أستعداداً للتفاهم وتقديم شروط لم تكن مطروحة سابقاً في رسم العلاقة بين الطرفين، بما في ذلك الضمانات المالية للقروض وغيرها من تبادلات مالية كانت غير واضحة في التبادل بين العراق وأميركا.
بعد الزيارة تكشفت العديد من النقاط الإيجابية والتي انعكست على العلاقة بين الطرفين والتي سادها في ما بعد التهدئة والتنازل من قبل واشنطن التي قرأت حكومة السيد السوداني أنها جاءت لتعمل ولا تبحث عن تأزيم للعلاقة او زجّ مصالح الشعب العراقي بأيّ صراع مقبل، ويسعى الجانبان الى مزيد من العلاقات التجارية وخاصة صناعة النفط والغاز والمبيعات الدفاعية والتي من المرجح ان تشهد تقدّماً دون أيّ تنازل من العراق.
هناك تحسّن واضح في قطاع الأعمال والإعمار منذ وصول السوداني الى السلطة، ومنها التحسّن الملحوظ على القطاع الضريبي بعد عملية الإصلاح التي شهدها هذا القطاع، ولكن لا يزال التقدم ملحوظاً باتجاه تعزيز العلاقة مع الشركات الأميركية التي تسعى من خلالها واشنطن إلى تعزيز نفوذها في مؤسسات الدولة العراقية، لذلك من الضروري ان تسعى الولايات المتحدة الأميركية الى سحب قواتها كافة من العراق، لإيجاد أرضية مناسبة وتعزيز الثقة مع بغداد من أجل إيجاد شراكة حقيقية مبنية على أساس هذه الثقة.
العراق يسعى الى إيجاد الأرضية المناسبة للتكامل الإقليمي، فقد بذلت حكومة السيد السوداني جهداً كبيراً لجعل العراق جاراً جيداً في المنطقة،رومع الحفاظ على العلاقات التاريخية مع إيران. في المقابل سعى السوداني أيضاً الى تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج على الرغم من التوترات التي سادت العلاقة سابقاً، وأضحى العراق طاولة حوار لتقريب وجهات النظر بين مختلف الدول التي تختلف سواءً مع العراق او في ما بينها.
إحياء مشروع طريق التنمية، الطريق القديم، وإصلاح العلاقات العراقية – التركية كان محط إعجاب للغرب بصورة عامة وواشنطن خصوصاً وبتعديلات حديثة وهو المشروع الذي يربط بين الاقتصاد والسياسة ويبدو انّ الإطار التنسيقي الشيعي قد أبدى قبوله لخطة السوداني الاقتصادية، وخصوصاً انها تسعى إلى خلق علاقات اقتصادية متوازنة مع الولايات المتحدة الأميركية.
بات من شبه المؤكد أنّ الأشهر المقبلة ستشهد تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق على ان تتحوّل العلاقة بين بغداد والغرب الى علاقات سياسية واقتصادية، وخصوصاً بعد التفاهمات بين الحكومة العراقية وبين واشنطن حول ضرورة إنهاء الوجود، أما الامر الذي لا يزال غير واضح فهو إذا كان البنتاغون سيكون قادراً على التحكم على الأرض لإجراء عملية إعادة الانتشار هذه وفقاً لشروطه الخاصة، خصوصاً مع التغييرات الكبيرة والاستراتيجية التي يشهدها العراق وسياسته الداخلية والخارجية، إذ بات العراق يشهد تغييراً سريعاً، وان الصيغة القديمة للمكونات العراقية على اختلافها تفسح المجال بسرعة للمخاوف بشأن التركيبة السكانية والتضخم الشبابي، فضلاً عن تغيّر المناخ ونقص المياه، لذللك بات من الواضح انّ العراق أكثر تماسكاً من ذي قبل وانه مقبل على حركة أقتصادية كبيرة ومهمة في المنطقة…