انتخابات إيران في أبهى صورة… والآخرون يغرقون في الأزمات والهزائم
أحمد بهجة
بهدوء لافت، وتنظيم مُبهر، أنجزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استحقاق الانتخابات الرئاسية، وهو الاستحقاق المباغت الذي استجدّ نتيجة الحادثة الأليمة التي تعرّضت لها إيران في شهر أيار الماضي وأدّت إلى استشهاد رئيس الجمهورية السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان ومعهما عدد من المسؤولين والضباط وطاقم المروحية.
وعلى رغم ما تتعرّض له إيران من ضغوط وتهويل وحروب، جدّد الشعب الإيراني ثقته بنظام الجمهورية الإسلامية وبالقائد السيد علي الخامنئي، وأثبت حيوية فائقة في التنافس الديمقراطي بين المرشحين والبرامج التي تصبّ كلها في مصلحة إيران في الحاضر والمستقبل، خاصة في ظلّ ما تواجهه من تحديات على مختلف المستويات.
أكثر من ثلاثين مليون مواطن تقاطروا إلى صناديق الاقتراع من أقصى البلاد إلى أقصاها، حيث بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية 49,8%، بزيادة نحو 10% عن نسبة المشاركة في الجولة الأولى، وقد اضطرت وزارة الداخلية نتيجة هذه الكثافة في الإقبال إلى تمديد عمليات الاقتراع أكثر من مرة، حيث لم يتمّ إقفال الصناديق قبل الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولذلك استمرّت عمليات فرز الأصوات حتى الصباح، إلى أنّ أعلنت وزارة الداخلية فوز الدكتور مسعود بزشكيان بنحو 55% من الأصوات.
هذا في النتائج الإجرائية والإدارية، أما في النتائج العملية فقد أثبت الشعب الإيراني أنّ لديه درجة عالية جداً من الوعي السياسي، حيث مارس الناخبون قناعاتهم بكلّ حرية وديمقراطية، من دون السماح لأيّ جهة خارجية بالتأثير على الخيارات والتوجهات الوطنية المحدّدة فقط بما تمليه المصلحة العليا.
وبعيداً عن كلّ التأويلات والفبركات الإعلامية الخارجية المغرِضة، فإنّ أول عمل قام به الرئيس المنتخب كان زيارة ضريح مؤسّس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، حيث ألقى كلمته الأولى بعد الانتخابات، وقد جدّد فيها العهد مع مبادئ الإمام الراحل، موجهاً الشكر للسيد الخامنئي ومؤكداً العمل تحت قيادته وإشرافه لمواجهة التحديات والصعاب وتحقيق حياة كريمة للشعب الإيراني.
أما الإشارة اللافتة جداً والتي لها الكثير من الأبعاد والدلالات فقد تمثلت بالزيارة التي قام بها الرئيس المنتخب إلى ضريح اللواء الشهيد قاسم سليماني، حيث أشاد بدوره وتضحياته ومسيرته.
هل يحتاج المتربّصون والمترقّبون لتغييرات ما في سياسة إيران الخارجية إلى دلائل أكثر مما ورد أعلاه حتى يتأكدوا أنّ الثوابت باقية هي هي… وأنّ المبادئ لا ولن تتغيّر…؟
ربما يكون هناك تغيير ما في الأساليب، وهذا محكوم بطبيعة الأشخاص وطريقة عملهم، ولا علاقة له إطلاقاً بالأهداف العليا التي يتفق حولها الإيرانيون.
وقد شهدنا منذ انتصار الثورة قبل أكثر من 45 عاماً تداولاً للسلطة مرات عديدة بين المحافظين والإصلاحيين من دون أن يحصل تغيير يُذكر خاصة في السياسة الخارجية، بل على العكس فقد شهدت كلّ العهود والمراحل المزيد من التقدّم والتطور والاقتدار، ولعلّ آخر مثال على ذلك هو الاتفاق النووي الذي تمّ توقيعه مع الإدارة الأميركية برئاسة الديمقراطي باراك أوباما عام 2015 خلال الولاية الأولى للرئيس الإصلاحي الشيخ حسن روحاني، لكن الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب (الذي خلف أوباما عام 2016) انسحب من الاتفاق بحجة أنه في مجمله يحقق مصالح إيران ولا يُناسب الولايات المتحدة.
وحين تسلّم الديمقراطي جو بايدن الرئاسة الأميركية في مطلع العام 2021 سعى للتفاوض مجدّداً مع إيران، لكنه وجد الطريق غير سالك سواء مع الرئيس روحاني في نهاية ولايته الثانية، أو مع الرئيس المحافظ الشهيد ابراهيم رئيسي طوال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يعبّر فعلياً عن وحدة الموقف الإيراني، وهو ما سوف يستمرّ مع الرئيس الجديد بلا شكّ، لأنّ إيران متمسكة بالاتفاق وعلى الولايات المتحدة أن تعود إليه كما هو… وبعد البدء بتطبيقه ربما يتفق الطرفان على تعديل هنا أو إضافة هناك، لكن ذلك يقتضي قبل أيّ شيء إعادة العمل بالاتفاق…
ومما لا شكّ فيه أنّ الثبات في المواقف الإيرانية، والوضوح التامّ في السياسات والتوجهات، والاستعداد لمواجهة التحديات، وتحمّل الصعوبات… كلّ هذا أدى إلى تحقيق نجاحات كبيرة ومكاسب كثيرة جداً على كلّ الصعد السياسية والاقتصادية وغيرها…
ومن أبرز النجاحات والمكاسب هو ما يحققه محور المقاومة هذه الأيام من إنجازات وانتصارات بدءاً من غزة وفلسطين ولبنان مروراً بسورية والعراق واليمن وصولاً إلى إيران… وهذا ما جعل العدو الصهيوني يشعر للمرة الأولى منذ قيام كيانه الغاصب قبل نحو ثمانية عقود بأنه مهدّد في وجوده، وبأنّ الأسس التي قام عليها هذا الكيان آخذة في الاهتزاز والتفسّخ تمهيداً لزواله النهائي… خاصة أنّ الجهود التي يبذلها كلّ حلفائه ورعاته وعلى رأسهم الولايات المتحدة لكي يوفروا الحماية لكيان العدو باءت بالفشل، بل جعلت هذا الفشل يمتدّ إلى ساحاتهم أيضاً، حيث نرى علامات التفكّك والانهيار في أكثر من دولة في العالم ومنها دول كبرى وعظمى…
وهنا تأتي الملاحظة الأخيرة، فـ بينما تحقق إيران إنجازها الانتخابي بأبهى صورة، فإنّ الانتخابات في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وربما لاحقاً في كيان العدو تعبّر عن حجم المآزق وربما الحروب الداخلية التي يتسبّب بها انهزام كلّ هؤلاء أمام عمالقة المقاومة في بلادنا ومنطقتنا، وأمام التغييرات الجذرية في موازين القوى على المستوى العالمي…