ثلاثية سعاده وحزبه الوحدة… المقاومة… النهضة
أدرك سعاده مبكراً أنّ الردّ على سايكس – بيكو لا يكون إلاّ بالوحدة القومية، وأنّ الردّ على وعد بلفور لا يكون إلاّ بالمقاومة، بل إنّ الردّ على جميع نواحي التخلف في مجتمعاتنا لا يكون إلا بالنهضة…
معن بشور*
*المنسّق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبيّة
في الثامن من تموز، الذكرى الـ 75 لإعدام (بل اغتيال) مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد الزعيم أنطون سعاده تتداعى في ذهني جملة ذكريات وأفكار، بعضها متّصل بالحادثة نفسها، وبعضها يتصل بما مثلته شخصيّة سعاده من ريادة فكرية لا سيّما في الكشف المبكر عن حقيقة الصهيونية ومخاطرها، بحيث رأى البعض أنّ فكرة تأسيس حركة قوميّة نهضويّة عند سعاده كانت لمجابهة الحركة الصهيونية.
في الذكريات أنّ حزناً عميقاً خيّم يومها على منزلنا في محلة الزاهرية في طرابلس يوم التقى ثلة من الشباب القوميّ الاجتماعي، وبينهم أخي المرحوم أديب، الطالب في المرحلة الثانوية، في مجلس عزاء عفويّ يتحدّث عن مزايا الشهيد المغدور ودوره القومي والنهضوي لا سيّما في معركة فلسطين التي كان من المقاتلين فيها قادة ومناضلون وشهداء قوميون اجتماعيون، وهي المعركة التي ما زالت مستمرّة حتى اليوم وما زال القوميون الاجتماعيون في قلبها كما هي مستمرة في ملحمة “طوفان الأقصى” التي جاءت انتصاراً لكلّ من عاش، كسعاده بفكره ونضاله من أجل فلسطين.
وكان والدي المرحوم خليل بشور الذي جاء من الاغتراب في السودان الفرنسيّ (جمهورية مالي حالياً) عام 1947، والذي بات عضواً في الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور السوري 1950، عروبي التوجّه، قريباً من التيار العروبيّ التقدّميّ ممثلاً يومها بالبعث والحزب العربي الاشتراكي… ومع ذلك كان تأثره على الشهيد سعاده واضحاً في محيّاه وفي صوته، تماماً كما كانت مواقف الشهيد كمال جنبلاط والعديد من قادة الأحزاب الوطنية في لبنان وسورية والعالم العربي.
ورغم أنّ عمري آنذاك لم يكن قد بلغ الخمس سنوات، إلا أنني أحسست أنّ حدثاً جللاً قد حصل، وأن رجلاً استثنائياً قد خسرته البلاد، وكان غياب سعاده بداية رحلة استطلاع في أسباب اغتياله بهذه الطريقة المستعجلة والمنافية لأبسط القوانين والأعراف، وبدأت أدرك أنّ الإعدام والاغتيال والشهادة هو مصير سعاده والعديد من أصحاب القضايا أو المناضلين من أجلها.
وحين بدأت أسأل من حولي وأقرأ اكتشفتُ أكثر فأكثر حقيقة هذا الرجل وأهمية إطلالته المبكرة على المشروع الصهيوني، وإدراكه المبكر لحاجة الأمة الى النهضة، وحملت في داخلي، وأنا القومي العربي، احتراماً خاصاً لذلك القائد الفكري والميداني، وهو احترام لم تزعزعه عندي كلّ الخلافات الفكرية والسياسية التي عشناها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لا سيّما بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وقوى التيار القومي العربي، وتعلّمت يومها درساً لم أنسَه في حياتي، أنه مهما بلغت الاختلافات بين تيارات الأمة فإنّ هناك مشتركات نبني عليها، ونعالج خلافاتنا من خلالها؛ وأيّ مشترك أهمّ من تحرير فلسطين وانبعاث النهضة القومية في أمتنا، بل ورفض أيّ مساومات على الحق باستعادة كامل الأرض في فلسطين.
ولقد اكتشفت وأنا أتابع سعاده ونضال حزبه أنّ التأسيس الفكري للحزب السوري القومي الاجتماعي بدأ قبيل التأسيس الرسمي عام 1935، وذلك حين كان سعاده مغترباً في أميركا الجنوبية ولم يبلغ السابعة عشرة من عمره وحين كتب في جريدة “المجلة” التي تصدر في البرازيل عن اليهودية والصهيونية ملاحظاً انّ هناك فريقاً من اليهود يمقت الصهيونية ويعتبرها خطراً على اليهود أنفسهم، قبل أن تكون خطراً على فلسطين والعرب، وهو ما نراه اليوم في التحركات التضامنية العالمية مع غزة، مستشهداً بسفير أميركي يهودي في تركيا كان معادياً للصهيونية.
ولاحظت أيضاً دون صعوبة أنّ فكر سعاده النهضوي الملتزم بفلسطين والمحفّز على المقاومة، يمكن اعتباره رداً على أمرين في آن معاً، أولهما معاهدة سايكس – بيكو (1916) لتجزئة المنطقة، وخصوصاً سورية الكبرى إلى كيانات متنافرة متناقضة، ووعد بلفور البريطاني سنة (1917) الذي كان حجر الزاوية في مشروع اغتصاب فلسطين.
وأدرك سعاده مبكراً أنّ الردّ على سايكس – بيكو لا يكون إلاّ بالوحدة القومية، وأنّ الردّ على وعد بلفور لا يكون إلاّ بالمقاومة، بل إنّ الردّ على جميع نواحي التخلف في مجتمعاتنا لا يكون إلا بالنهضة.
لذلك نعتبر ثلاثية سعاده وحزبه هي ثلاثية الوحدة والنهضة والمقاومة، وأنه بذلك كان رائداً مبكراً بين حركاتنا السياسية حول هذه القضايا، ولقد عمل لمواجهة التحديات.
ومن هنا، بتنا ندرك أنّ العمل لتحقيق الثلاثية التي تبناها سعاده وحزبه تحتاج منا إلى العمل على دوائر عدة أولها وطني وحدوي، وثانيها قومي تحرري، وثالثها نهضوي إيماني، ورابعها عالميّ أمميّ وهو ما يتضح اليوم من خلال “طوفان الأقصى” حيث وحدة ميدانية فلسطينية، ووحدة إسناد قومية إسلامية، ووحدة تضامن أممية عالمية.
ثلاثية سعاده… الوحدة، النهضة، المقاومة، والتلازم بين أركان هذه الثلاثية هو ما تركه لنا ولحزبه الزعيم الشهيد وينبغي التمسك بها.