أنطون سعاده.. صانع فجر الأمة
لأنّ شهيد الثامن من تموز هو مؤسس أعظم نهضة في الشرق، فإنّ الواجب يستحثّنا أن نرفع راية الحق عالياً، كي لا ننسى فلسطين واللواء السليب وكلّ شبر محتلّ ومغتصب من ارضنا الغالية والعزيزة
معن حمية*
*عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي
في لحظة تصويب رصاصات الغدر على جسده، أنذر سعاده القتلة قائلاً: “أنا أموت أما حزبي فباق”.
صدق سعاده، فحزبه ظلّ في ساح الصراع، حزباً صلباً رائداً، يخطّ بدماء أبطاله أعظم ملاحم العز، يخوض حرباً لا هوادة فيها ضدّ يهود الخارج ويهود الداخل الذين هم أشدّ خطراً على الأمة.
صدق سعاده، لأنّ رمل بيروت، استحال منصة فداء، والرصاصاتُ التي اخترقت جسده، أماتت قاتليه، أمّا هو فبقي حياً بالفكرة والحركة، هادياً وقائداً ومرشداً لأجيال مقاومة تغيّر وجه التاريخ.
أنذرهم سعاده، لمنحهم فرصة الحياة، لكن أبناء العتمة، أعداء الضوء، هم حفنة مصّاصي دماء يتحللون في ضوء الشمس، وقد تحللوا بسطوع شمس النهضة، وعزم أبنائها وتصميمهم على بلوغ المراد، في سبيل قضية تساوي الوجود… قضية “يزول الكون ولا تزول”…
أرادوا الثامن من تموز يوماً لطغيانهم وتآمرهم، فإذا به يفيض بعبق الشهادة، بوصلة مرشدة إلى بدايات الحروف التي تشكلت منها أبجدية الصراع…
اليوم، وبعد 75 عاماً على استشهاد سعاده، تتأكد صوابيّة استشرافه للمخاطر والتحديات، وتثبت دقة تحذيراته من يهود الداخل والخارج، خصوصاً أدوار المتآمرين التي دخلت طوراً جديداً، يستهدف ضرب منظومة القيم والمفاهيم والمبادئ والأخلاقيات التي يرتكز إليها مجتمعنا، وضرب كلّ مكمن قوة ومنعة في هذه الأمة لمصلحة العدو وحلفائه…
تحت جنح تحركات مطلبية مشبوهة وشعارات الإصلاح والحرية المزعومة، استُهدفت الشام، حيث عاث المجرمون المدجّجون بشتى صنوف الأسلحة قتلاً وإرهاباً، نشروا الفوضى والخراب. وهذا كله قطع الشك باليقين أنّ ما يحصل في بلادنا لا يمتّ بصلة إلى الحرية والإصلاح لا من قريب ولا من بعيد…
أما أبناءُ شعبنا في فلسطين، فقد دفعوا أثماناً باهظة نتيجة الاحتلال والعدوان، ونتيجة تخاذل معظم الأنظمة العربية، والتخاذل هنا معادل للاحتلال، وليس على الطرف النقيض معه. وإن ما يحصل في غزة وغير منطقة فلسطينية يدلّ بوضوح على حرب إبادة يشنها العدو الصهيوني لتصفية المسألة الفلسطينية برمتها.
الحقيقة، كلّ الحقيقة، أنّ الرجل العظيم الذي استشهد في فجر الثامن من تموز 1949، هو صانع فجر الأمة الجديد، وهو شهيد في معركة محاربة الطائفية والمفاسد والاستبداد في لبنان، ومقاومة الاحتلال والاستعمار وهو شهيد معارك الدفاع عن فلسطين، وهو شهيد الأمة التي قاوم دفاعاً عن حقها في الوحدة والحرية والكرامة والاستقلال.
ولأنّ شهيد الثامن من تموز هو مؤسّس أعظم نهضة في الشرق، فإنّ الواجب يستحثّنا، أن نرفع راية الحق عالياً، كي لا ننسى فلسطين واللواء السليب وكلّ شبر محتل ومغتصب من ارضنا الغالية والعزيزة.