دماء الثامن من تموز تتألق برقاً وضياءً في سماء غزة
كان سعاده ممتلئاً بالإيمان والقناعة بأنّ الحقائق التي صنعها أو كشفها لا ترتبط ببقائه حياً لا بل ولا ترتبط بالشخص مهما علت منزلته، وإنما بما قدّم وبما لا يموت بموته. وقد كان بذلك يمثل نموذجاً مقلوباً لمفهوم القيادة والزعامة الذي ساد في بلادنا وفي عالمنا العربي.
سعادة مصطفى أرشيد*
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.
تمرّ ذكرى الثامن من تموز وكما في كلّ مرة بلا بكائيات أو أحزان، فمع أنها أوْدت بحياة الزعيم والفيلسوف وصاحب المشروع الجدّي الوحيد لإنقاذ الأمة وتوحيدها وإعادتها لتستأنف دورها في الإشعاع خدمة للإنسانية جمعاء، والخطة الدقيقة لتحرير فلسطين، إلا أنها لم ترتبط ولا مرة واحدة بالحزن والأسى بقدر ما ارتبطت بالفخر والإباء والشعور بالعزة والفخار. فهي ذكرى مَن يحبّ الحياة وإنْ قابل الموت بشجاعة دون تبجّح وسار إلى عمود إعدامه بخطوات واثقة رابط الجأش ثابت الجنان. وما كان هذا ليكون إلا لأنه كان ممتلئاً بالإيمان والقناعة بأنّ الحقائق التي صنعها أو كشفها لا ترتبط ببقائه حياً لا بل ولا ترتبط بالشخص مهما علت منزلته، وإنما بما قدّم وبما لا يموت بموته. وقد كان بذلك يمثل نموذجاً مقلوباً لمفهوم القيادة والزعامة الذي ساد في بلادنا وفي عالمنا العربي منذ أن انقشع الظلّ العثماني الثقيل عن أمتنا، ولكن لصالح الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي ثم الأميركي، ثم لسيادة المفاهيم المرتبطة بالكاز والبترو – دولار من جانب التي تسبّح بحمد وليّ النعم وتدعو له بطول العمر والبقاء مقابل الشيكات البنكيّة السخيّة، وما قابلها في الجانب الآخر من مفاهيم الانفعالية الجوفاء والشعوبية الرخيصة والوطنية اللفظية ذات الشعارات الهوجاء الفارغة التي تضع الأمة وأبناءها ومصالحها روحاً ودماً فداء للقائد والزعيم، فجاء نموذج الثامن من تموز نموذج الزعيم الذي يبذل روحه ودمه فداء لأمته ورفقائه وأبناء شعبه.
تمرّ ذكرى الثامن من تموز والأمة تخوض أشرس معاركها وأطولها في مواجهة التنين بناره وأنيابه وأشكاله ووجوهه المتعدّدة، من الاستعمار الغربي ثم المشروع الاستيطاني العنصري – الأداة الغربية في فلسطين المحتلة، وأذنابه في الأمة والعالم العربي، تخوض معارك مجيدة أثبتت كرتونية هذا العدو أمام الإصرار وأمام من آمن بالحرية وتحمّل واجب المواجهة وعمل على ذلك بالنظام والدقة فامتلك القوة التي أطاحت بأسطورة الجيش الذي لا يُقهر والدولة المتقدّمة في العسكر والأمن والتكنولوجيا والاقتصاد والنظام السياسيّ الذي يمثل جزيرة الحرية والديمقراطية في وسط بحر واسع من التخلف والاستبداد الشرقي العاجز دائماً، كما يحاول العدو أن يقنعنا.
وبما أننا لا نخشى الحرب، ولكن علينا أن ندرك أنّ في الحرب وما تحقق حتى الآن من انتصارات جزئية وما أثبتته وحدة الساحات من مصداقية وما تقوم به المقاومة اللبنانية والعراقية واليمنية الرائعة فرصاً للانتصار أو لوضع القدم في الطريق الصحيحة للانتصار من خلال المقاومة العاقلة، ولكن الحرب أيضاً فيها مخاطر يجب الحذر منها الأمر الذي يستدعي مزيداً من اليقظة ودقه في الحسابات.
وذكرى الثامن من تموز وتزامنها مع مجريات الحرب تستدعي أيضاً التأكيد على ما ذهبت إليه العقيدة القومية بأن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، وها قد أصبحنا نملك القوة التي تثبت حقنا القومي وتمنحنا الفرصة لاستعادته. وهذا لا يكون إلا بالالتزام بالعقيدة الواضحة والإيمان بها والعمل على هديها والتي بذل رجل الثامن من تموز روحه ودمه في سبيلها.