مقالات وآراء

بعد 75 عاماً صدقت نبوءة سعاده

صحيح أنّ سعاده دفع في حياته ثمناً باهظاً جزاء فكره، وتمّ وضعه قصداً في خانة الشياطين لئلا يصل هذا الفكر إلى مسامع الكثيرين فيُطَبّق وتسقط المشاريع الاستعماريّة، وصحيح أنه دفع حياته ثمناً بعد ذلك ذات تموز من العام 1949، إلا أن إنصافه يتجلّى اليوم بحيث تصدق نبوءته بعد 75 عاماً

‭‬ رندلى جبور *‬
*نقيبة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع في لبنان

لم يكن أنطون سعاده سياسياً عادياً ولا زعيماً لزمن محدّد، بل كان قبل كلّ شيء مفكّراً مهجوساً بالمشرق، وبحفظِه قوياً، وبحمايته متنوعاً، بتكامل للدورة الاجتماعية والاقتصادية، على بقعة جغرافية أثبت بالعلم أنها لا تتجزأ ولا يجوز أن تخضع للاستعمار، على أن تواجه العدو الثابت، ذاك الصهيوني، لتبقى…
والبقاء لأمّة سعاده منطلقاته واضحة: الوحدة حتى ضفاف دجلة، رفض النزعات التعصّبية والعنصرية والنزاعات الطائفية والمذهبية، حرية الشعب الطالعة من إرادة الشعب، الإصلاح، التكامل والتشارك الاقتصادي، والمقاومة.
صحيح أنّ سعاده دفع في حياته ثمناً باهظاً جزاء فكره، وتمّ وضعه قصداً في خانة الشياطين لئلا يصل هذا الفكر إلى مسامع الكثيرين فيُطَبّق وتسقط المشاريع الاستعماريّة، وصحيح أنه دفع حياته ثمناً بعد ذلك ذات تموز من العام 1949، إلا أن إنصافه يتجلّى اليوم بحيث تصدق نبوءته بعد 75عاماً.
فقد اتضح بعد تجربة، أن حماية أبناء المشرق، مسلمين ومسيحيين، هي في اتحادهم، وعندما يتّحدون بعيداً من أيّ تطرف ومع حفظ خصوصيات كل مكوّن، نشرق من جديد.
أعدموا سعاده وأعدموا معه أوطاننا التي باتت رهينة للسياسات الغربية، وسلّمت رقبتها لمشروع الصهيونيّة العالمية التي يجسّدها الكيان الإسرائيلي، وأضحت خاضعة، منهوبة الثروات ومزوّرة الثورات، مسلوبة الحرية ومجنّدة لخدمة الأوراق الخارجية، غاطسة في الفساد ومشلّعة بين غرب متسلّط وشرق تخشى التعامل معه بأريحيّة، تنهشها الطائفية والهبّات الفدرالية والتقسيمية.
أما اليوم، فيُكتب حبر سعاده بالتغيير الإقليمي والدولي الحاصل، وبالدم الجديد الفائض من طوفان. وتواجه الصهيونيّة مقاومة متّحدة باتت تؤرق وجود الكيان، بفتحها ساحات العز نصرةً لفلسطين التي كانت بوصلته.
وصحيح أنّ بعض الأصوات المتطرفة من هنا وهناك ترتفع في أوقات الأزمات، إلا أنها ستنخفض بعد قليل، حين تُرفع راية النصر.
تلك الحرب جعلت الشيعيّ يقاتل من أجل قضية ظن البعض يوماً أنها للسنّة وحدهم، فماتت الفتنة المشتهاة. وأعادت المسيحيّ العاقل الى معقل مسيحيّته حاملاً هو أيضاً لواء غزة. ووضعت لبنان عند فوهة البركان ولكن عن قوة هذه المرّة، وسورية تمارس دورها بالحدّ الذي تقدر عليه الآن، وانتفض اليمن لعروبته على موجة بحر أحمر، والعراق تعالى عن جراحه موجّهاً صواريخه بالاتجاه الصحيح، واستفاقت الجامعة العربية على أنّ المقاومة ليست إرهاباً، ووقف التطبيع على الباب الذي أقفلته الإنسانية في وجهه.
وما بعد زمن المقاومة، لن يكون بقاء للأمة إلا بفكر يشبه ذاك الذي أطلقه مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان مسيحياً حتى العظم ومسيحيّته أخذته الى “الوحدة في التنوع” لضمان البقاء للجميع. والذي كان إصلاحياً حتى العظم وأخذته إصلاحيته التقدمية الى طرح اتحاد سبق بعقود كلّ اتحادات العالم التي تبنّت الفكرة وطبّقتها وألهتنا ببعضنا البعض.
وليست المشرقيّة التي قدّمها الرئيس العماد ميشال عون طرحاً متكاملاً في مطلع ولايته الرئاسية وناقشها مع الرئيس السوري والعاهل الأردني ببعيدة عن هذا الفكر الإنقاذي.
والفرصة سانحة بعد الانتصار الآتي لنعيد لملمة بيتنا الكبير والخروج ممّا ولّدته الحروب والاحتلالات والترهيب والترغيب، والذهاب نحو بناء أوطان سياديّة تتعاون بصدق في ما بينها، فتزدهر الصناعة وتنمو التجارة ونتفادى الأزمات المصطنعة، بعد قوة أثبتها لبنان منذ انتصار تموز 2006، وسورية بكسر المؤامرة الكبرى، والعراق بالانسحاب الأميركي، وفلسطين بعودتها إلى مجد القضية، واليمن بقدرته على التحكّم باستراتيجيات الإقليم، والدول الأخرى ستلحق.
وإزالة الجامعة العربية صفة الإرهاب عن حزب الله ليست إلا دليلاً على من هو القويّ في المرحلة المقبلة.
الفرصة سانحة لقوميّة واسعة مع الحفاظ على سيادة الدول فلا تفوّتوها واستفيدوا من صدق النبوءة الفكريّة ولو بعد 75 عاماً…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى