أولى

حلف الناتو يتصدع

لا يحتاج المتابع إلى طول عناء وتحليل كي يكتشف أن حلف الناتو الذي يشكّل الإطار العسكري للتحالف الغربي هو في الحقيقة تجمّع لثلاث دول فاعلة عسكرياً إضافة لأميركا هي فرنسا وبريطانيا وتركيا، حيث تمثل ألمانيا أكثر الدول إسهاماً في التمويل والتسليح بعد دور هؤلاء الأربعة لكنها نادراً ما تشارك بقواتها بأيّ عمل حربي وإن فعلت فهي تفعل بصورة رمزيّة.
إذا نظرنا في أحوال الدول التي تقدّم مساهمات عسكرية مباشرة في أنشطة حلف الناتو الى جانب الدور الأميركي فإننا سنكتشف بسهولة أنها ليست بخير، وأنها تتعرض لتغييرات وتحولات تجعل من الصعب عليها مواصلة المشاركة كما كان عليه الحال من قبل.
في بريطانيا قد لا يختلف حزب العمال الذي فاز بالانتخابات الأخيرة وشكل الحكومة الجديدة كثيراً عن حزب المحافظين في النظر للسياسات الخارجية، والعلاقة بالسياسات الأميركية، لكن حزب العمال الآتي الى السلطة على كتف موجة شعبية معارضة لحزب المحافظين يدرك أن الموجة الشعبية التي حملته إلى السلطة هي الموجة الشعبية ذاتها التي تضغط لتغيير درجة الالتصاق البريطاني بالسياسات الأميركية، ومثل الموقف من حرب غزة يكفي للقول عن ماهية الطلبات الشعبية من العمال، وهو ما بدا أن قيادة الحزب تدركه وتضعه في حسابها كما تقول مواقفها المتغيرة نحو القضية الفلسطينية ورفض تغطية السياسات والأعمال الإجرامية لكيان الاحتلال. ويبدو أن قيادة الحزب تدرك أن عليها التأقلم مع دور بريطاني مختلف كي تبقى تحظى بدعم الفئات الشعبية التي فتحت لها طريق العودة إلى رئاسة الحكومة.
في فرنسا تبدو الأمور أشد وضوحاً، حيث يعبر اليمين واليسار كل من زاوية مختلفة عن الآخر، عن رفض الالتحاق الفرنسي بالسياسات الأميركية. وبينما يقف اليمين ضد التوجهات العدائية لروسيا وصولاً إلى العقوبات والقطيعة ويعد بإعادة ترتيب هذه العلاقات إذا وصل للحكم، متخذاً ملف الطاقة عنواناً للبعد الاقتصادي السلبي الذي لحق بالمواطن الفرنسي جراء سياسات حكم ايمانويل ماكرون، يتخذ اليسار موقفا صلبا في رفض الدعم الأعمى الذي يقدمه الغرب بقيادة أميركية ومن ضمنه فرنسا لكيان الاحتلال، وبالرغم من تفاهم انتخابي جمع حزب ماكرون واليسار لإبعاد اليمين عن فرص تشكيل أغلبية حاكمة، فإن خيارات ماكرون بين تشكيل حكومة مع اليسار أو عدم تشكيل حكومة تعني التوقف عن السياسات النشطة تحت المظلة الأميركية وفي قلب الناتو.
أما تركيا فقد بدأت تتموضع على خطوط تماس جديدة بين الشرق والغرب، وتجد قيادتها أنها مضطرة لإعادة النظر بموقعها في السياسات الأميركية في ضوء تغير موازين القوى، سواء في حرب أوكرانيا أو في حرب غزة، أو صعود روسيا وإيران، وهما أهم جارتين حدوديتين لتركيا، بحيث تضطر القيادة التركية الى القبول بشروط جارها الثالث سورية للمصالحة التي تحولت إلى بوليصة تأمين للنظام في ضوء تحولات المنطقة والعالم.
حال علاقة واشنطن وقدرتها على ضبط الحلفاء من خارج الناتو ليستا أفضل من حالها مع الحلفاء من داخله، ولعل حجم ونوع الملفات التي باتت تقرر السعودية التعامل معها خلافاً للرغبة الأميركية، تزداد كل يوم، من تسعير النفط بعيداً عن الدولار، إلى العلاقة المتنامية مع الصين، والشراكة مع روسيا في سوق النفط، وصولاً الى رفض الانضمام الى حلف البحر الأحمر المناوئ لليمن.
واشنطن تتراجع ويبدو أن حلف الناتو هو أول من سيدفع ثمن هذا التراجع، دون الحاجة الى تهديد دونالد ترامب بفرط عقده إذا وصل الى الرئاسة.

التعليق السياسي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى