بزشكيان رئيساً لإيران العقل إصلاحي والقلب محافظ
} يوسف هزيمة*
في مهلة لم تتعدَّ خمسين يوما، نظمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية انتخابات رئاسية، أفضتْ نتائج جولتها الثانية والأخيرة، يوم الجمعة الفائت، إلى فوز مسعود بزشكيان على منافسه سعيد جليلي. وقد باشر الرئيس المنتخب، مشاوراته لتشكيل الحكومة، وذلك قبل توجهه إلى مجلس الشورى (البرلمان)، مطلع آب المقبل، كما أكد ذلك الإعلام الإيراني، لأداء اليمين الدستورية، وبدء مهامه رسمياً، خلفاً للرئيس الراحل السيد إبراهيم رئيسي، الذي قضى نتيجة تحطم مروحيته في العشرين من أيار الماضي.
وأن تنظَّم انتخابات في هذه السرعة، بما اتسمتْ به من تنظيم ونسبة مشاركة أكثر من جيدة، وخاصة في الجولة الثانية، أضف إلى سرعة اعلان النتائج. فإنما مردّ ذلك إلى أمرين مهمّين، هما:
ـ الاستقرار الذي تنعم به إيران، السياسي منه والأمني، وكلّ ما يعني الاستقرار من معان.
ـ الديموقراطية التي ظهرت بوضوح في حرية الاختيار، وكذا التي رافقت الحملات الانتخابية، ولا سيما بين المرشحَين جليلي وبزشكيان.
وإذا كان المرشح الخاسر سعيد جليلي محسوباً على التيار المحافظ، وهو كذلك، الا أن الفائز بزشكيان، الذي لا ينكر انه ذو توجهات إصلاحي، وهو الذي حظي بدعم التيارات الإصلاحية، لا يمكن حصره بأنه مرشح إصلاحي صرف. وفي هذا المجال لا بد من تسجيل الملاحظات الآتية:
1 ـ في الجولة الأولى من الانتخابات حاز بزشكيان على أقل من 10 ملايين صوتاً، في مقابل حوالى 13 مليوناً للمحافظين: أكثر من 9 ملايين لـ جليلي وما يقارب 4 ملايين لـ قاليباف، والتي ظهر أنّ معظمها جُيّر لـ بزشكيان في الجولة الثانية، وبحسب مراقبين في إيران فإنّ ذلك مردّه ان لا عقدة من بعض المحافظين، ولا توجّس من بزشكيان، يُضاف إليها، ودائماً بحسب مراقبين إيرانيين، توجّه بعض المحافظين وخاصة ممن انتخب قاليباف، إلى دعم بزشكيان لأسباب قومية كونه من الأذريين.
2 ـ إصرار الرئيس المنتخب بزشكيان، على عقد المؤتمر الصحافي الأول له، في مقام الإمام الخميني مؤسّس الجمهورية الإسلامية، وإقامة الصلاة فيه، وما لذلك من رمزية، وهو بذلك يبعث برسالة للخارج قبل الداخل، أنني ابن هذا النظام، وعلى نهج مؤسسه الخميني الراحل سأسير. وكأنه، ومن داخل المقام، يعلن بما لا يشوب ايّ شك انه وإنْ كان إصلاحيّ النهج، فإنه كان وما زال ذا قلب محافظ، وهو الذي عرفته ساحات وميادين الحرب العراقية على إيران مقاتلاً ومدافعاً شرساً تحت راية الإمام الخميني.
3 ـ ومن داخل مقام الإمام الخميني أيضاً، أعلن بزشكيان بشكل لا لبس فيه ولاءه المطلق للمرشد القائد المفدّى، حيث قال: «أشكر القائد المفدى للبلاد، ولولا حكمته لم نكن لنستطيع أن نصل لهذه الفرصة».
من كل ما تقدم نخلص الى القول إنّ الرئيس المنتخب لإيران، الذي حشد له الإصلاحيون لانهم يتوسّمون في آدائه مع ما ينسجم ونهجهم، وصوّت له الكثير من المحافظين، لأنهم عرفوا ويعرفون قلب طبيب القلب المفعم بالإيمان بالله ومبادئ الجمهورية الاسلامية… إن هذا الرئيس لن يكون الا مدافعاً عن مبادئ الجمهورية الاسلامية، وفي طليعتها دعم القضية الفلسطينية وحركات المقاومة، التي ستبقى إيران سندا لها .
وفي الختام، قد يكون للرئيس الجديد أسلوبه الخاص في العمل السياسي ومقاربة الملفات، السياسي منها او الاقتصادي أو الاجتماعي، والداخلي منها او الاقليمي او الدولي، وهذا صحيح، ولكن ما هو صحيح ودائم، أنّ نظام الجمهورية الإسلامية قدّم ويقدّم منذ ولادته قبل 45 عاماً أمثولة في الديمقراطية التي أبهرت الغرب، هذا الذي ظنّ، وظنه وهم وأوهام أنه بخسارة سعيد جليلي سيحقق هدفا في مرمى النظام السياسي للجمهورية الإسلامية.. أدرك الغرب سريعاً وسيدرك أنه الخاسر الأول من عملية الانتخابات الرئاسية الإيرانية برّمتها.
*كاتب وباحث سياسي