12 تموز 2006 ليس ذكرى بل مسار
ناصر قنديل
في مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر عاماً دخلت المنطقة في زمن جديد، ولا زالت الأحداث المتتابعة تؤكد أن ما حدث في صبيحة ذلك اليوم قبل جيل كامل قد غيّر وجه المنطقة والعالم. وقد كان قرار الأسر الذي نفذته المقاومة لعدد من جنود جيش الاحتلال بهدف مقايضتهم بأسراها وفي طليعتهم الأسير المحرر الشهيد سمير القنطار، الشرارة التي أشعلت حرباً أراد خلالها كيان الاحتلال تأديب المقاومة وسحقها، انتقاماً من نصرها عام 2000 واستعادة قوة الردع التي شعر بتضررها بفعل ذلك الانتصار. وهذا ما حدث لكن على حجم أكبر بكثير عندما خرجت المقاومة في طوفان الأقصى لأسر عدد من جنود جيش الاحتلال لمقايضتهم بالآلاف من الأسرى الفلسطينيين، ومثل ذلك الشرارة التي أشعلت حرباً أراد خلالها الاحتلال تأديب المقاومة وسحقها عقاباً على تحولها الى قوة رادعة منذ معركة سيف القدس، ورد اعتبار لقوته الرادعة التي يتباهى بأنها السقف الاستراتيجي الذي يظلل معادلات المنطقة.
في حرب تموز 2006 واصل جيش الاحتلال لثلاثة وثلاثين يوماً، تدمير الجنوب والضاحية الجنوبية ومنشآت لبنان الحيوية، وقتل المئات، ولكنه حاول التقدم على جبهات جنوب لبنان بمدرعاته فكانت مجازر الدبابات في وادي الحجير وسهل الخيام، وحاول التقدم بوحدات النخبة في جيشه من المشاة فكانت ملاحم البطولة في مارون الراس وبنت جبيل وعيتا الشعب، وهو منذ ثلاثمئة يوم يكرّر فعل الشيء نفسه في غزة، فيقتل الآلاف وعشرات الآلاف ويدمّر كامل قطاع غزة، مساكن ومدارس ومستشفيات وأسواقاً، ويدفع بكل جيشه الى كل انحاء قطاع غزة، مدناً ومخيمات، ثم يسحبها ثم يعيد دفعها، لكن النتيجة واحدة، مجازر دبابات وملاحم بطولية، وشعب أسطوري يواصل الصمود والقتال. وما حدث في تموز 2006 يتكرر مضاعفاً عشر مرات وأكثر، في القتل والتدمير، وفي الثبات والبطولة، وفي فشل الاحتلال وعجزه.
على جبهة لبنان منذ 300 يوم أيضاً تقاتل المقاومة بذكاء استراتيجي مبهر، وتقدم دماً غالياً من شهدائها وقادتها الشهداء، وتمضي في طريقها، تصيب الاحتلال في كبده وحبله الشوكي، وتصيبه بالشلل الدماغيّ فيفقد النطق والبصر والسمع، وقبلها التفكير، فيصبح بلا وعي مرة مثل الديك ومرة يعوي مثل إبن آوى، ومرة كضبع جريح، وكل ذلك يجري والاحتلال لم ينتبه بعد أنه كان يكذب على نفسه وعلى الرأي العام عنده وعلى نخبه، طوال ثمانية عشر عاماً، عندما كان يشتري معنويات كاذبة بالدعاء أنه عالج نقاط الضعف التي أدت إلى الفشل في حرب تموز، وأنه الآن ليس بحاجة للبحث عن أسباب الفشل في 7 أكتوبر، ولا لأسباب تفوق المقاومة في جبهة لبنان، ولا أسباب فشله في الهجمات البرية على غزة، بل عليه الاعتراف أنه هزم في تموز 2006 وبقي يكابر على الهزيمة ويدّعي معالجة أسباب ما يصفه بالثغرات، وما تسبّب بالهزيمة عام 2006 زاد أضعافاً خلال ثمانية عشر عاماً، بحجم الفارق بين ثلاثين يوماً وثلاثمئة يوم، كان قادة الكيان خلال جيل كامل يشترون ويبيعون السهم في البورصة كما فعل دان حالوتس رئيس أركان حرب تموز يوم اتخذ قرار الحرب، بينما قادة المقاومة يُعدّون أولادهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم للشهادة، ويجهزون بين أيديهم كل أسباب التقنيات الحديثة والأسلحة المتطورة. وهذه الفجوة بعمر جيل كامل غير قابلة للردم لا بقرار ولا بخطة ولا بدعم أميركي ولا بتصنيف عربي للمقاومة على لوائح الإرهاب.
ليس مهماً اليوم إن وصل التفاوض إلى اتفاق أم لم يصل، لأن الفجوة بين المقاومة والاحتلال تكبر كل يوم لصالح المقاومة، الفجوة الأخلاقيّة والفجوة المعنويّة والفجوة العلميّة والفجوة العسكريّة، والمقاومة متفوّقة عقلياً وقلبياً وضميرياً على الاحتلال وتزداد كل يوم تفوقاً، ومن لا يقبل اتفاقاً يعبر عن موازين القوى السائدة اليوم لأنه يراها لصالح المقاومة، مجبر على القبول باتفاق يعبر عن موازين قوى أشدّ رجحاناً لصالح المقاومة غداً او بعد غد، لأن ما جرى في 12 تموز 2006 لم يكن مجرد حدث عسكري، بل مسار جديد للمنطقة والعالم، ومن يريد أن يقرأ شيئاً مفيداً عليه العودة لقراءة تقرير بيكر هاملتون الصادر في تشرين الثاني عام 2006، كمرشد توجيه رسم السياسات الأميركية في المنطقة والعالم، والذي اتخذ منها علامة دالة على الوقائع الجديدة والقوى الصاعدة، وبنى استنتاجات بحجم التراجع عن التعامل مع روسيا والصين بتعجرف المتفوق، وإعادة تفعيل الأمم المتحدة بنزاهة، والتوقف عن الدعم الأعمى لكيان الاحتلال، والعمل بجدية لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وضمان عودة اللاجئين، والانسحاب من الجولان السوري المحتل، والسبب في كل ذلك هو ما حدث في 12 تموز 2006، كما يقول التقرير.