مقالات وآراء

المشهد الأميركي ما قبل الإنتخابات الرئاسية ومصير بايدن

‭}‬ د. حسن مرهج*
من خلال التعمّق في مشهد الانتخابات الأميركية، وما يعانيه الحزب الديمقراطي، فإنّ الأخير يعيش في مأزق سياسي قد يكون هو الأول من نوعه في التاريخ الأميركي، وذلك بسبب جو بايدن، ويبدو أن لا مخرج للحزب من هذا المأزق، إلا بانسحاب بايدن، خاصة أنّ وجود الأخير في السباق الرئاسي، قد يعطي بطاقة ذهبية لـ دونالد ترامب، وبالتالي فوزه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الولايات المتحدة.
المناظرة الأولى التي جمعت بايدن وترامب، كانت كارثية في منظور الحزب الديمقراطي ومؤيديه، ورغم ذلك فإنّ محاولات بايدن لم تفلح مع حكام الولايات الديمقراطية، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ من حزبه، في إزالة آثار المناظرة الأولى، والتي ربما قد تكون الأخيرة، التي أخفق فيها في ملاقاة ترامب، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فريق بايدن أيضاً يبدو في مأزق بصورة غير مسبوقة، ويجرون المكالمات الصعبة مع مموّلي حملته البارزين الذين تساءلوا عمّا إذا كان يجب أن يظل بايدن المرشح الديمقراطي.
في المقابل، تبدو أسرة بايدن هي الوحيدة التي تدفعه من أجل إكمال الطريق الرئاسي، بينما المقرّبون جداً من بايدن مثل نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، ورغم دفاعها عمّا أسمته الإنجازات التشريعية التي حققها بايدن فإنها ترى الآن أنه «من المشروع طرح سؤال إذا كان أداؤه في المناظرة عابراً أم ينم عن مشكلة صحية أوسع»، أما نائبة الرئيس كمالا هاريس، فهي الوحيدة التي تتبنّى موقفاً ملتبساً، ففي حين عدّت أول الأمر أنّ أداء بايدن كان بطيئاً، إلا أنها لاحقاً أكدت أنه: «هو مرشحنا… لقد هزمنا ترامب مرة، وسوف نهزمه من جديد».
الأعذار التي قدّمها بايدن عقب المناظرة الأولى، لم تُفلح في تبرير حالة الضعف التي انتابته ليلة المناظرة، من جراء الأسفار الطويلة التي أرهق نفسه فيها، ذلك أنّ ذاكرة الكاميرات، ومن قبلها بكثير، لا تكذب ولا تتجمّل، مع الاحترام الكامل والكافي للضعف الإنساني وتقدم العمر، وجراء ذلك، فإنّ الديمقراطيين يشعرون بحالة من الهلع، وباتوا غير قادرين على مداراتها أو مواراتها، وربما لا يودّون الوصول إلى النقطة الحرجة، أيّ اللجوء إلى التعديل 25 من الدستور الأميركي، الذي يمكّنهم من عزل الرئيس في حال عدم مقدرته على القيام بواجباته الرئاسية.
الحديث في أروقة الحزب الديمقراطي يجري الآن وبشكل مكثف، حول بدلاء بايدن، ومَن يمكنه أن يحلّ مكانه في السباق الرئاسي حال انسحابه، ويكون من القوة والمنعة الكافيتين، لتحطيم ترامب، المتصاعدة شعبيته بصورة واضحة، والذي دعّمته المحكمة العليا قبل أيام بما يشبه الحصانة الجزئية، بينما محكمة نيويورك وعلى حين غرّة، أجّلت موعد الحكم في قضية أموال الصمت، إلى أيلول المقبل.
والآن هل على بايدن أن يقول وداعاً، وبصورة تحفظ له صورته بوصفه رجلاً أنقذ الحزب الديمقراطي في وقت الأزمة، هذا في واقع الأمر ما أشار عليه به توماس فريدمان، عراب العولمة، عبر عموده في صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد غلف فريدمان الدواء المرّ لبايدن، في أوراق ملونة زاهية، ودعاه لأن يفعل عكس ما يريده عدوه اللدود، ترامب، الذي يحلم بأن يكمل السباق الانتخابي، ليجد بذلك فرصة لا تعوّض في مهاجمته عبر دعاية انتخابية، من الآن وحتى الخامس من تشرين الثاني، ما يضمن فوزه.
باختصار، وبحسب الدائرة القريبة من بايدن، فإنه يتوجب على الأخير أن يعلن رغبته في السماح للمندوبين الذين تعهّدوا بالتصويت لصالح ترشيحه، بالتحلل من التزامهم، في المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو في آب المقبل، ومن ثم العمل مع الحزب لإيجاد مرشح بديل، قد يكون نائبته كمالا هاريس، وربما يفضل البقاء على الحياد، ويترك للقواعد الرئيسة في الحزب الاختيار من بين عدد من البدلاء.
جراء الحالة الصحية لـ بايدن، والهواجس التي يعيشها الحزب الديمقراطي، فإنّ سيناريو البديل لم يغب عن كبار القادة من الديمقراطيين خلال الأشهر الماضية، وهناك لائحة حاضرة بالفعل، ما بين بدلاء ظاهرين على السطح مثل غافين نيوسوم حاكم كاليفورنيا، وغريتش ويتمر حاكم ميشيغان، فيما أوراق أخرى خفية لليسار الديمقراطي، تمثلها ميشيل أوباما، ووراء الكلّ هيلاري كلينتون، وقد تحمل الأيام مزيجاً من الظاهر والخفي.
ختاماً، فإنّ إجبار بايدن على التنحي، أو تفعيل التعديل 25، في غالب الأمر سوف يُقلل كثيراً من فرص فوز الديمقراطيين، فهل يأخذ بايدن من تجربة جورج واشنطن أول رئيس لأميركا درساً وموعظة؟ ورغم أنه كان أول رئيس، وحظيَ بفرصة أن يظلّ رئيساً مدى الحياة، فإنه اكتفى بولايتين، وأفسح الطريق لجون آدامز ليخلفه، ووقتها لم يكن التعديل الـ22 للدستور الأميركي قد صدر بتحديد رئاستين فقط لكلّ مرشح، وهو ما ستجري به الأقدار عام 1952، بعد أربع ولايات لفرانكلين روزفلت.
إذن، هل ينقذ بايدن الديمقراطيين بانسحابه، أم ينقذ أميركا برمتها من الانقسام؟ ربما يتوجّب كذلك أن ينسحب ترامب، وأن تتصالح أميركا مع نفسها عوضاً عن الثأر والانتقام.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى