دردشة صباحية
ربيع سورية… وربيع الآخرين*
يكتبها الياس عشي
الحبّ الكبير موضوع في غاية البساطة، فهو لا يحتاج إلى أكثرَ من طرفين، ولا يحتاج إلى طاولة مستديرة، ولا إلى بركات رجال الدين، وفذلكات رجال القانون، وتعليلات الفلاسفة، وديكتاتورية التقاليد. الحبُّ أهمّ وثيقة وجدانية يوقّعها طرفان بدون موافقة الكتّاب العدل. إذا كان الحبّ هكذا فأنا أعلن، بكلّ بساطة، أنّ سوريةَ هي حبيبتي.
ما من مرّة طُلب من هذه الحبيبة شيءٌ إلّا وأعطته دون مِنّة؛ فيوم كان العالم القديم يسعى إلى اختراع يجسّد من خلاله قصيدة حبّ أو عقْد بيع، فاجأته أوغاريت باختراعها الأبجدية، ويوم كان البحر عصيّاً بشياطينه، غامر السوريون فمخروا لجّته بمركب وشراع، ويوم اقتصرت الحياة المعاشة على الصيد والتقاط الثمار، وصلت سورية الصبيّة الرائعة الحسن إلى الأرض تحمل في جعبتها اختراعاً اسمه المحراث وأهدته للأرض. وضمن هذا المثلّث المتساوي الأضلاع (الحرف، الشراع والمحراث.) بدأت قصّة الحضارة.
ثَمّ يوم قرّر الربيع أن يولدَ في مكان، اختار رحِمَ سوريةَ، وعندما جاء المخاض غادره ليستقرَّ في ربوعها حقولًا من الياسَمين وشقائق النعمان، وكروماً من العنب والزيتون، ورفوفاً من العصافير والفراشات، وأعلن، بكلّ وضوح، أنه لن يسمح «لربيع آخرَ» مستوردٍ ومزيّف أن يحلّ مكانه.
*من كتابي «السيرة الذاتية لعصفور أضاع طريقه إلى الشام».