ودائع الناس… لا حسّ ولا خبر!
أحمد بهجة*
مصير ودائع الناس لا يزال مجهولاً… لا حسّ ولا خبر. مرّت خمس سنوات على انفجار الأزمة وانهيار العملة الوطنية ولم يُتخذ أيّ قرار على الإطلاق… فقط حكومة الرئيس البروفيسور حسان دياب وضعت خطة للتعافي لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ لأسباب معروفة تحدّثنا عنها بالتفصيل أكثر من مرّة.
لقد تمّ الاكتفاء على أيام رياض سلامة (المحمي لأسباب معروفة أيضاً) بـ تعاميم طالعة وتعاميم نازلة من مصرف لبنان، والهدف تخفيف الأعباء على المصارف وليس على الناس… حيث يُقدّر حجم السحوبات بحوالى 47% من مجموع قيمة الودائع، وقد تمكنت المصارف خلال السنوات الخمس الماضية (بمساعدة رياض طبعاً) من تذويب نحو 80 مليار دولار من مجموع الودائع التي كانت تُقدّر قبل الأزمة بنحو 170 مليار دولار،
ونشرت المصارف التجاريّة تباعاً أرقامها للفصل الأوّل من العام الحالي، كما نشر مصرف لبنان مؤشّرات القطاع للميزانيّة المجمّعة لغاية نهاية شهر أيّار الماضي. وتميّزت الأرقام التي نُشرت هذه السنة، باعتماد سعر الصرف الفعلي والواقعي لإعداد الميزانيّة. وهو ما يعطي صورة أوضح بكثير عن وضعيّة القطاع الحقيقيّة، بخلاف ميزانيّات الأعوام الماضية. إذ انّ اعتماد سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار خلال العام الماضي، و1,500 ليرة للدولار للأعوام التي سبقته، أدّى إلى النتيجة المطلوبة من مصرف لبنان والمصارف وعدد كبير من السياسيين والإعلاميين ورجال الدين، وهي تضييع «الشنكاش» والقول للناس ها أنتم أخذتم من المصارف نحو نصف ودائعكم والباقي تأخذونه أيضاً خلال السنوات المقبلة عبر الألاعيب القديمة نفسها أو عبر «تعاميم» جديدة تؤدي الغاية نفسها…!
وهنا نشير إلى تعميم أرسلته جمعية المصارف إلى أعضائها ويتضمّن كتاباً ورد إليها من وزارة المالية لكي تقدّم المصارف للوزارة معلومات عن الذين سدّدوا قروضهم للمصارف بعد تشرين الأول 2019 على سعر دولار 1500 ليرة (باستثناء القروض السكنية)، وحتى الآن غير معروف ما هو هدف وزارة المالية من ذلك… ولكن السؤال هو لماذا حصر المعلومات بالذين سدّدوا القروض، وماذا عن الذين أعطتهم المصارف جزءاً من حساباتهم على سعر 1500 ليرة، وهو الجزء الذي تحدثنا عته في ما سبق وتبلغ نسبته حوالى 47% من حجم الودائع؟
الواضح أنّ هناك نوايا خبيثة مبيّتة من وراء كلّ ذلك، خاصة أنّ معظم بيت «بو سياسة» لا يمانعون السّير بحلول مجتزأة بل ظالمة للمودعين بالدرجة الأولى وأيضاً للبنانيين بمجموعهم، إذا كانت هذه الحلول تنقذهم وتجنّبهم المحاكمة والمساءلة، كما هي العادة في لبنان، حيث تتمّ «لفلفة» أكبر قضايا الفساد ويتمّ وضع الملفات في الأدراج أو حتى رميَها في سلات المهملات ويطويها النسيان… وإذا أردنا تعداد تلك الملفات منذ العام 1992 إلى اليوم فإننا نحتاج إلى مجلدات ومجلدات…
ومثال على ذلك نراه هذه الأيام في عمل اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة والمكلّفة بدراسة مشروع «الصندوق الائتماني»، أو «صندوق استرداد الودائع»، وقد عادت اللجنة إلى طرح المشروع الذي قدّمته جمعيّة المصارف في العام 2020، وهو المشروع الذي أرادت من خلاله المصارف ومَن يقف خلفها الالتفاف على خطة التعافي التي قدّمتها حكومة الرئيس دياب في نهاية نيسان 2020، ويهدف مشروع المصارف إلى إطفاء الخسائر المصرفيّة عبر ربط الودائع بالإيرادات العامّة، وهذا طبعاً لا يعيد الودائع للناس بل يحمّل الدولة والاقتصاد أعباء إضافية كبيرة وديون لا يمكن تسديدها…
أكثر من ذلك يُحمّل المشروع كلّ اللبنانيين أعباء الخسائر التي ضيّعتها المصارف، بدلاً من حصر المسؤولية بين المصارف نفسها ومصرف لبنان والدولة، إذ ما ذنب المواطنين غير المودعين حتى يتحمّلوا كلّ هذه الأعباء؟ أم أنّ نجاة المرتكبين من المساءلة والمحاكمة والعقاب تتطلب إسقاط المزيد من الضحايا…؟
*خبير مالي واقتصادي