نقاط على الحروف

سورية تضع النقاط على الحروف في المصالحة مع تركيا

ناصر قنديل

– منذ المبادرة الأولى لروسيا وإيران بعد بدء مسار أستانا مطلع كانون الثاني عام 2017 والرئيس التركي رجب أردوغان يحاول اختصار القضية بترتيب لقاء رئاسي يجمعه بالرئيس السوري بشار الأسد، مبدياً الاستعداد لتلبية أي دعوة لهذا اللقاء إذا كان قيامه بتوجيه الدعوة لعقد اللقاء في تركيا صعباً، وكانت صيغة أردوغان تبدو في الظاهر مقنعة، فكل من الشخصين يملك مفاتيح الحل والربط في قضايا الخلاف، وإذا اتفقا فإن كل شيء يسير كما يجب، فلماذا إضاعة الوقت بلقاءات على مستويات أدنى سوف يقوم عبرها الوزراء ورؤساء الأجهزة بتبادل الآراء ثم ينقلون الحصيلة الى الرئيسين اللذين يملكان القرار الفاصل؟
– كاد العرض التركيّ يستحوذ على التأييد الروسي والإيراني، حيث إن موسكو وطهران تتمسكان بالحليف السوري والحرص على خروجه منتصراً من هذه الحرب الكونية، التي لعبت تركيا بقيادة أردوغان دوراً محورياً فيها، ولكنهما تعرفان حجم تركيا الإقليمي، ومكانة تركيا في شبكة التحالفات المعقدة للغرب الى حد أن الصراع على تركيا يشكل محوراً رئيسياً في التجاذب مع واشنطن، ولذلك تبدي موسكو كما طهران اهتماماً خاصاً لاجتذاب تركيا أكثر فأكثر الى موقع ابعد عن الغرب.
– كان المسؤولون الروس والإيرانيون عندما يفاتحون المسؤولين السوريين بالعرض التركي، ينقلون لهم قول أردوغان، الذي يقول إن القرار عند الرئيسين وإذا اتفقا تحل كل المشاكل، فلماذا يناط الأمر بالمعاونين ليقوموا بنقل نتائج المحادثات إلى الرئيسين. وكان السوريون يجيبون بثلاث نقاط، أولاً إن اتفاق الرئيسين فرضيّة واختلافهما فرضية فماذا لو اختلفا؟ وهل تحتمل المنطقة لقاء على هذا المستوى بين البلدين ينتهي بالفشل؟ وثانياً إن لدى كل من الرئيسين شيئاً يريده ويملكه الرئيس الآخر، والرئيس التركي يريد صورة اللقاء مع الرئيس السوري بينما يريد الرئيس السوري أرض بلاده التي يحتلّها الجيش التركي، فهل يُعقل أن يقدّم الرئيس السوري للرئيس التركي كل ما يريده ويقبل أن تكون طلباته موضوع تفاوض؟ وثالثاً هل يُعقل لرئيس دولة يحترم السيادة الوطنية لبلاده، أن يلتقي برئيس دولة أخرى تحتلّ بعضاً من أرض بلاده قبل ان يحسم أمر زوال هذا الاحتلال، دون أن يصبح اللقاء شرعنة لهذا الاحتلال؟
– مع مرور الوقت صار الحليفان الروسي والإيراني يؤمنان بصحة الموقف السوري، خصوصاً عندما مرّت محطات تصعيد أميركي في المنطقة بدا أن تركيا تبني عليها أوهاماً وأحلاماً، فيقولان حسناً فعلنا بالاستجابة لرؤية سورية، وصار الموقف الروسي والموقف الإيراني مباشراً مع الرئيس التركي، السيادة السورية أولاً، وبعدها اللقاء الرئاسي. وفي هذا السياق جاءت المبادرة الأخيرة الروسية الإيرانية، التي حملها المبعوث الرئاسي الروسي اكسندر لافرنتييف الى دمشق. وقد جاء البيان السوري إيجابياً تجاه المبادرة، لكنه أكد على الترحيب بالمبادرة وفق ثوابت سورية السيادية وفي طليعتها انسحاب القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية.
أول أمس، أعلن الرئيس التركي استعداده لاستضافة الرئيس السوري في تركيا أو لقائه في بلد ثالث، معيداً طريقته السابقة في مقاربة العلاقة مع سورية، فأصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً قالت فيه، “إن أي مبادرة لتحسين العلاقة مع تركيا يجب أن تبدأ بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية”، وقالت إن “أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوّة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”. “وفي مقدّمة تلك الأسس انسحاب القوات المتواجدة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً”. واعتبرت أن “مصلحة الدول تُبنى على العلاقة السليمة في ما بينها وليس على التصادم أو العدائية”، مشيرة إلى حرص دمشق على التعامل بإيجابية مع مختلف المبادرات التي طُرحت، بما في ذلك “المبادرات الخاصة بتصحيح العلاقة السورية التركية”.
مرة أخرى سورية حريصة على العلاقة الطيبة بتركيا، وحريصة على نجاح المبادرات الروسية والتركية، وبسبب هذا الحرص المزدوج تتمسك بأن تعالج القضايا وفق القواعد التي تضمن النجاح، ولذلك وضعت النقاط على الحروف.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى